مقال رأي تحليلي.
بقلم : زكريا كرش
يبدو أن الحوثيين كانوا ينتظرون الضربات الجوية الأمريكية بفارغ الصبر، لا للرد أو تصعيد النزاع فحسب، بل لتحقيق هدفين رئيسيين:
1. قمع أي معارضة داخلية: بات بإمكانهم إسكات كل صوت ينتقدهم، متذرعين بحجة تأييد “العدو الكافر”، مما يضفي عليهم غطاءً دينيًا يمكنهم من تصفية خصومهم السياسيين والفكريين.
2. استغلال العاطفة الدينية للشعب: الشعب اليمني، المتمسك بدينه، يرى في الجهاد ضد “الكفار” فرضًا واجبًا. وها هو العدو، هذه المرة، أمريكا ذاتها، مما يسهل على الحوثيين كسب تأييدٍ شعبي واسع، ليس حبًا بهم، بل رفضًا للوقوف في صف “العدو”.
وليس ذلك فحسب، بل تمكنوا أيضًا من استقطاب تعاطف المؤيدين في الخارج، خصوصًا في أوساط الشعوب المسلمة، وعلى رأسها الشعوب العربية.
“القمع تحت ستار “الجهاد”
اليوم، لم يعد انتقاد الحوثيين داخل اليمن خيارًا مطروحًا، فالعقاب صار الموت تحت ذريعة “الكفر”. منذ عشر سنوات، رفعوا شعار “العدوان”، وكان العدو حينها التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، لكن رغم ذلك، كان من الصعب استغلال العاطفة الدينية ضد دول مسلمة.
الآن، تغيرت المعادلة. المواجهة مباشرة مع أمريكا، وهذا يعني أن أي انتقاد لهم سيُفسَّر على أنه خيانة ووقوف في صف الكفار، مما يمنحهم سلطة مطلقة على الداخل اليمني.
لم يعد الحوثيون بحاجة إلى بذل جهد كبير لكسب تعاطف الشعب، فالضربات الأمريكية كفيلة بتحقيق ذلك، حيث يجد المواطن نفسه أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما أن يصطف مع الحوثيين، أو يُتهم بالولاء للعدو الكافر.
“التحالف توقف.. فبحث الحوثيون عن عدو جديد”
مع تراجع التحالف العربي عن تنفيذ ضربات جوية واسعة، وجد الحوثيون أنفسهم بحاجة إلى خلق مواجهة جديدة تضمن استمرار نفوذهم. لم يكن هناك خيار أفضل من فتح جبهة مع عدو يُجمع معظم اليمنيين على “كفره”، ليجعلوا المعركة تبدو وكأنها حرب مقدسة، لا مجرد صراع سياسي.
كانت البداية مع عملياتهم في البحر الأحمر، تحت شعار “نصرة غزة”، لكنها في الواقع لم تكن سوى خطوة لاستدراج أمريكا إلى المواجهة. فمنذ سنوات، حاول الحوثيون إقناع الشعب بأنهم في صراع مباشر مع الولايات المتحدة، لكن لم يكن هناك دليل واضح على ذلك. اليوم، جاءتهم الفرصة الذهبية ليثبتوا نظريتهم، مما يعزز قبضتهم على اليمن لسنوات قادمة.
“الأبرياء.. دروع بشرية في معركة الحوثيين”
دعونا من الجانب السياسي للحظة، ولننظر إلى الواقع الإنساني. منذ بداية “عاصفة الحزم”، استهدفت الضربات الجوية مواقع الحوثيين، سواء العسكرية أو المدنية، وسقط نتيجة ذلك الكثير من الأبرياء. والسؤال هنا:
ماذا كان على الحوثيين فعله لحماية الشعب الذي يدّعون تمثيله؟
المنطق يقول إنه كان عليهم الابتعاد عن الأحياء السكنية، وعدم استخدام المدنيين كدروع بشرية، لكنهم فعلوا العكس تمامًا. تعمدوا بناء مقراتهم داخل المناطق الآهلة بالسكان، وأداروا عملياتهم من داخلها، ليضمنوا أن أي ضربة ضدهم ستؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين، مما يمكنهم من استغلال ذلك لإدانة خصومهم أمام العالم.
قد يبرر البعض هذا التصرف بالقول إن الحوثيين ليسوا أغبياء ليكشفوا مواقعهم في أماكن معزولة، لكن الحقيقة هي أنهم لا يكترثون بحياة الأبرياء، بل يعتبرون موتهم “تكتيكًا مشروعًا” في معركتهم الطويلة.
“الحوثيون.. المسؤول الأول عن مأساة اليمن”
“عشر سنوات من الحرب، وكان من الواضح أن الضربات الجوية ستُستأنف في أي لحظة، لكن الحوثيين لم يتصرفوا كقوة مسؤولة تسعى لحماية المدنيين، بل كيان يدرك أن تعميق الأزمة وضمان استمراريتها هو مفتاح توسيع قاعدته الجماهيرية، مما يتيح له التحول من مجرد جماعة مسلحة إلى شريك سياسي معترف به محليًا ودوليًا.”
نأسف لسقوط الأبرياء في هذه الحرب، لكن الحقيقة المرة هي أنهم ليسوا مجرد ضحايا للضربات الجوية، بل ضحايا الحوثيين أنفسهم، الذين يتحملون المسؤولية الأكبر عن مأساة اليمن.
والسؤال الذي يفرض نفسه: هل سيتمكن الحوثيون من الصمود أمام الضربات الأمريكية؟ وهل ستنجح واشنطن في تحقيق أهدافها، أم أن المدنيين وحدهم سيدفعون الثمن؟