بقلم: سيد الأسيوطي
الكاتب والسياسي المصري
منسق ائتلاف «إحنا الشعب» ورئيس منتدى السلام العربي
هل ماتت القيم العربية؟
أم نحن من اغتلناها بأيدينا — طمعًا وجشعًا وصمتًا وجبنًا؟
كنا يومًا نفتخر بالشهامة والمروءة العربية، فإذا بنا اليوم نرى الغدر يُكرَّم، والخيانة تُبرَّر، والجبناء يسبقون الفرسان والشرفاء، حتى غدت الأخلاق سلعةً تُباع وتُشترى في أسواق المصالح والسياسة.
لقد تغيّر وجه الأمة حين تغيّرت قلوبها، وذابت القيم في شهوة الأطماع، وسقطت كلمة العروبة في امتحان الدم.
وصار الأخ يقتل أخاه بدمٍ بارد، وصار التكبير يُرفَع لا في ميادين النصر، بل على مشاهد الموت والدمار.
وآخر فصول هذه المأساة تتجسّد اليوم في السودان، وتحديدًا في مدينة الفاشر، حيث يعيش العالم مأساةً إنسانيةً كبرى: قتلٌ ودمارٌ وإبادةٌ جماعيةٌ طالت الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء — بينما يهلّل المجرمون على جثث ضحاياهم بلا رحمة ولا خجل.
لقد تجاوزت وحشية مليشيات المرتزقة في السودان ما سجّله التاريخ عن أعتى مجرمي الحروب، حتى إن ما فعله “جنكيز خان” و”هولاكو” يبدو أقل رعبًا مما ارتكبه هؤلاء المجرمون في الفاشر المنكوبة.
وأي قلبٍ ذاك الذي يفرح على أنين الأبرياء؟ وأي إنسانٍ ذاك الذي يذبح ضميره قبل أن يذبح ضحيته؟
إن ما يجري اليوم يضع المجتمع السوداني والعربي والدولي أمام مسؤوليةٍ تاريخيةٍ وأخلاقيةٍ كبرى. يجب أن يقف الجميع — وبقوة — ضد هذه المليشيات والمرتزقة عديمي الإحساس والشرف، وأن تتم محاسبة كل جهة أو دولة أو منظمة ساهمت في دعمهم، بالمال أو بالسلاح أو بأي شكلٍ من أشكال الدعم.
كما يجب تقديم الدعم الكامل للدولة السودانية وللجيش الوطني السوداني، من مالٍ وعتادٍ وسلاح، إلى جانب مساعداتٍ إنسانية عاجلة لحماية المدنيين وإنقاذ الأبرياء من القتل والخراب والدمار.
ولعل من واجبنا أن نسلّط الضوء كذلك على احتمال تورّط منظماتٍ تعمل في تجارة الأعضاء البشرية، تستغل الحروب والدمار في الشرق الأوسط وأفريقيا لمصالحها الخبيثة. إنها ليست مجرد مؤامرة، بل جريمة ضد الإنسانية تستوجب تحقيقًا دوليًا شفافًا ومحاسبةً حقيقيةً لكل من تواطأ أو شارك أو سكت.
وبرغم كل هذه الأحداث المؤلمة، لا يزال نور الفضيلة مشتعلاً في قلوب الشرفاء من أبناء الأمة، الذين يرفضون أن تكون العروبة ذكرى، ويؤمنون أن الأخلاق لا تموت ما دام هناك من يدافع عنها.
إنها ليست وفاة الأخلاق، بل جريمة اغتيالٍ مستمرة، والمجرم الحقيقي هو من سكت حين وجب أن يتكلم، ومن رضي حين كان عليه أن يرفض.
فالأمم لا تموت حين تُهزم جيوشها، بل حين تُدفن قيمها، وتُباع كرامتها في مزادات المصالح الزائلة.
حفظ الله أوطاننا، وتحيا مصر، وتحيا السودان الشقيق، وتحيا الأمة العربية بوحدتها وعزتها، رغم أنف المفسدين والحاقدين والمتربصين — أعداء الأمة والإنسانية.
![]()
