بقلم / سيد الأسيوطي
الكاتب والسياسي المصري
رئيس منتدى السلام العربي – منسق ائتلاف إحنا الشعب.

مصر لم تكن يومًا دولة تبحث عن مجدٍ زائف؛ فهي أصل الحكاية، وبوابة التاريخ، وميزان القوة في المنطقة.
منذ فجر الحضارة، تحملت مصر عبء الدفاع عن الأمة كلها، ودَفعت ثمن استقرار غيرها قبل استقرارها، دون أن تَمُنّ أو تشتكي.

إن الدولة المصرية، بجيشها الوطني العظيم، تخوض حربًا متصلة من أجل أمنها وأمن محيطها، وتحمي حدودها وحدود غيرها في معركة صامتة من أجل بقاء المنطقة متماسكة.
ومع ذلك، نسمع أحيانًا أصواتًا تتحدث وكأن على مصر دينًا، أو أن مواقفها البطولية والإنسانية كانت فرضًا عليها، بل ويظن بعضهم أنهم أصحاب فضلٍ عليها!
وكأن من ضحّى واحتضن وقدّم صار مدينًا لمن تقاعس وتخاذل وتاه في صراعاته الداخلية.

لقد فتحت مصر أبوابها لكل الأشقاء والأصدقاء — لاجئين، وطلابًا، وضيوفًا، ومقيمين منذ عشرات السنين — فعاشوا على أرضها في أمنٍ وكرامةٍ وعدل، بينما كانت تتحمل أعباءهم بصمت النبلاء.
ورغم أن عددهم تجاوز العشرة ملايين ما بين لاجئ وضيف ودارس — وهو رقم يفوق عدد سكان بعض الدول الشقيقة أو الصديقة — لم تُغلق مصر حدودها يومًا، ولم ترفع إلا شعار الإخوة والإنسانية، حتى مع من أساء إليها أو تناسى فضلها عليه.

إن من يتحدث اليوم عن ديونٍ على مصر، إنما يتجاهل حقائق التاريخ ويطعن في ضمير الجغرافيا.
فمصر لم تأخذ يومًا، بل كانت دائمًا هي التي تُعطي، وتُعلّم، وتُقدّم، وتُضحّي.
كفى مجاملات… فالتاريخ لا يُكتب بالأغاني ولا يُحفظ بالكلمات المنمقة، بل تُسطّره مواقف الرجال ومصائر الشعوب.

في كل المحطات الكبرى من تاريخ الأمة، كانت مصر صاحبة المبادرة لا التابعة؛
فحين تنازعت دولٌ أو انسحبت خلف مصالحها الضيقة، كانت مصر ترسل أبناءها شهداء من أجل قضايا العرب وجيرانها.
من حرب 1948 إلى تحرير الكويت، ومن دعم الجزائر واليمن وفلسطين والسودان، كانت مصر — شعبًا وجيشًا — تؤدي واجبها دون تملّق أو ابتزاز أو انتظار شكرٍ من أحد.

ولأنها درع الأمة وسندها، أصبحت هدفًا لأصحاب الأهواء الذين يحاولون تزييف الوعي وتشويه صورتها.
لكن الحقيقة تبقى ساطعة: مصر هي قلب العروبة النابض، وجيشها هو حارس بوابة الشرق من الانكسار. شاء من شاء وأبى من أبى.

من المؤسف أن نرى اليوم بعض الفنانين والرياضيين والمثقفين والإعلاميين والسياسيين وأصحاب المصالح الخاصة يتسابقون في المجاملات على حساب مصر وجيشها وشعبها العظيم ومؤسساتها الوطنية العريقة.
يتحدثون بسطحية أو تملّق، بحثًا عن تصفيقٍ أو تكريمٍ أو لحظة بريقٍ مؤقتة، متناسين أن الكلمة حين تخرج باسم مصر لا تمثل شخصًا، بل تمثل وطنًا بأكمله وتاريخًا عمره آلاف السنين.

يا سادة، كفاكم مجاملات لا تليق بمقام مصر، فمصر أمة.
الوطن أكبر من مصالحكم، وأقدس من مكاسبكم الشخصية.
فالكلمة التي تُمجّد غير الحق خيانةٌ للوعي قبل أن تكون إساءةً للوطن، والمجاملات الزائدة تُربك المعنى وتُضلّل الناس.

من أراد أن يتحدث باسم مصر، فليزن كلماته بميزان التاريخ لا بميزان العلاقات العامة.
فمصر التي علّمت الدنيا الحضارة لا تحتاج إلى من يمنّ عليها، ولا إلى من يختلق لها قصص البطولة من الخارج.
بطولاتها محفورة في الرمال والصخور، وشعبها لا يرضى إلا بالعزة والكرامة.
جيشها الوطني وشرطتها الباسلة وشعبها الصامد — هم السطر الأول في كتاب الكرامة الإنسانية منذ الأزل.

ولذلك نقولها بوضوح، لا غضبًا بل فخرًا:
كفاكم مجاملات… فمصر ليست مدينة لأحد، بل صاحبة الفضل على الجميع.
ومن أراد أن يُجامل، فليُجامل بالحق،
ومن أراد أن يُنصف، فليقل الحقيقة كاملة:
أن مصر كانت ولا تزال قلب الأمة، وعقلها، وسيفها الذي لا يُغمد.
حفظ الله الوطن وتحيا الأمة المصرية بوحدتها وعزتها دائما وابدا رغم أنف المفسدين والحاقدين والمتربصين.

Loading

By عبد الرحمن شاهين

مدير الموقع الإلكتروني لجريدة الأوسط العالمية نيوز مقدم برنامج اِلإشارة خضراء على راديو عبش حياتك المنسق الإعلامي للتعليم الفني