“قررتُ الذهاب”

“زكــــــريا كـــــــرش”

قصيدة “قررتُ الذهاب” للشاعر زكريا كرش يسرد بها رحلةً مليئةً بالمخاطر والصعوبات، تبدأ من معاناة التهجير والضياع بسبب الحروب والجوع، وتنتهي بتحقيق الأمل والوصول إلى الوطن المنشود.
عبر الشاعر خلال رحلته أكثر من 16 دولة، متحملًا مشاقَ الجوع والعطش والخوف برفقة رفاقه الذين كاد بعضهم أن يستسلمَ للموت إلا أن الشاعرَ، برغم التحديات القاسية، أصرَّ على مواصلة المسير، مؤمنًا بأن الصمود والإصرار هما طريق الوصول إلى الحلم.

من خلال لغةٍ شاعريّة وصورٍ قوية، تعكس القصيدةُ تطلعات الشاعر وعزيمته على تجاوز الصعاب وتحقيق أهدافه ومع وصوله إلى الوطن المنشود، تجددت آماله وأحلامه.

“قَررتُ الذهـــــــابَ!”

في يومٍ صباحــهُ مليءٌ بالضبــابِ
سكونٌ تامٌ، والعصافيرُ أعلنتْ الغيابَ.

كانتِ الثلوجُ تغطــــي المكــــــــانَ
بيضاءَ كأنَّ الأرضَ بُدلتْ بالسحابِ.

استيقظتُ وحزمــــــتُ أمتــعتــــي
وإلى أحلامــــــــــي قررتُ الذهابَ.

نحوَ حدودِ المجد ركضتُ مسرعًا
يسبقني حلمـــــــــي وخلْفيَ الشبابَ.

وفي حدودِ الأمل أقدامُنا تعثــــرتْ
وشوكُ الظلــمِ مزقَ جلودَنا والثيابَ.

عدنــــا نجـــرُّ خيبـــاتِنـــا خلفَنــــا
لكنْ سرعــــــــانَ ما عاودنا الإيابَ.

لمْ نيأسْ، فعدنـــا بعزيمةٍ أقــــــوى
نجري بشــــــــــــــدةٍ نسابقُ الزمنَ.

نريــــــدُ العبــــــورَ بــــأيِّ ثمــــنٍ
نكافـــــــــــحُ بجدٍّ للبحثِ عن وطنٍ!

في الغـــــابةِ تهْنا بضعـــةَ أيـــــــامٍ
دونَ طعــــــــــــــــامٍ ودونَ شرابٍ.

صرخَ رفيقي: “أريــــدُ الـــــــعودةَ”
والدمعُ علـــــــــــــــى خديهِ انسابَ.

“أعيدوني، إني أخشــــــى المــــوتَ
أغثني يا ربَّ الأربـــــــــــــــــــابِ.

أعيدونـــــــي لدِيـــــاري بســـــرعةٍ
أعيدونـــــــــي لأمي لأعطيها قُبلةً!”

يبكي يُنادي: “أمَّاه!” يصرخُ “ويلَاه!
أينَ أنا؟ ما هــــــــــــــذهِ الورطةَ؟!”

صمتَ لحظةً وأطلقَ صرخــــــــةً
“أرجوكــــــــم، أينَ طريقَ العودةَ؟!”

“أجبتهُ والظمــــــأُ يفتــــــــكُ بــي.”
والجـــــــــــــــــــــوعُ ينخرني بشدةٍ:

“أما أنا، فلا أخشــــــــى المـــــوتَ
فحيــــــــــــــــاتي لمْ تكنْ أبدًا سهلةً.

أما أنا فلا أخشــــــــى المــــــــوتَ
وصمــــــــــــــــــودي هذا خير دليل

في بـــــــلادي الحــــــربُ مشتعلـةٌ
وعليهـــــــــــــــــــا أُحرقَ كلُّ جميلِ

لا بسمـــــــــةً فيها ولا راحــــــــــةً
وطعــــــــــــــــــــامُ طفلي باتَ قليـلَ

استوطن الأشرارُ في وطنـــــــــــي
سأمضــــي عســــــــــــــى أجدُ بديلَ

دعْنا نبحثُ عــــــــن مـــــــــــــأوى
ينجينا مـــــــــنْ كيدِ الأحـــــــــزابِ.

وطـــــنٍ ينعمــــــــــــــُ بالأمـــــــنِ
خـــــــــاٍل منْ ظلــــــــمِ الإرهـــابِ.

كــــــــــادَ المــــــوتُ يدركنـــــــــا
مضطرينَ تناولنـــــا الأعشـــــــابَ!

فـي ليلـــــــــةٍ سوداءَ حالكـــــــــــةٍ
لا أرى فيها الأنجُـــــــمَ والأصحابَ.

وحيـــــثُ الأشجـــــــارُ الكثيفــــــةُ
تملكنــــــي الخـــــوفُ والارتيــــابَ.

“مــــــا هذا الصوتُ؟ أجيبونـــــــي
أهيَ الريـــــحُ أمْ صـــــــوتُ الذئابَ؟

أمْ وطني المجهــــــولُ ينادينــــــي
وستُفتحُ لي كـــــــــــــــــلُّ الأبوابَ؟”

في غروبِ الشمسِ كنتُ مستريحَـا
سارحًــــا بذهني أتخيلُ الغدَ الأجملَ.

أطالعُ السماءَ منهكًا لكنني مبتسمًـا
أتأمــــــــــلُ الطيورَ تحلقُ في عجلٍ.

نحوَ الطيــــــــورِ بقيتُ محدقًــــــا
أنظرُ يا صديقــــــــــي ذاكَ الغرابَ.

ليتني مثلَهُ في الهـــــواءِ محلـــــقٌ
لأختصرَ صعـــــــودَ الجبالِ والتبابَ.

أمضيتُ عامًا في البلدانِ أتنقـــــلُ
مررتُ بمدنٍ وأراضٍ خصـــــــــابٍ.

في رحلتي للبحث عن وطــــــــنٍ
مرضــــتُ ومرغَ جســــدي بالترابِ!

لم استسلـــــــــم أبـــــــدًا أبـــــــدًا
بلْ واصلتُ رغمَ كــــلِّ الصعـــــابِ.

انهضْ واسعَ لتحقيقِ أهدافِـــــــكَ،
واصـــلْ حلمَــــك وأسعــــدِ الأحبابَ.

اقتلْ اليأسَ الساكــــــــنَ فيــــــــكَ
وأزحْ عــــنْ أملـــكَ الجلبــــــــــــابَ.

ها أنا اليومَ في وطني المنشــــــودِ
وبذلــــك فـــــؤادي قــــد طـــــــــابَ.

بوصولي تجددتْ أحلامـــــــــــــي
وعــــــدتُ أنا شــــــــابًا جـــــــــذابَ!

يا ربِّ في يديكَ حيــــــــــــــــــاتي
اجعلــــــــْها كبستـــــــانٍ خــــــــلَّابَ.

 

Loading

By عبد الرحمن شاهين

مدير الموقع الإلكتروني لجريدة الأوسط العالمية نيوز مقدم برنامج اِلإشارة خضراء على راديو عبش حياتك المنسق الإعلامي للتعليم الفني