متابعة _ عبدالرحمن شاهين
يسأل بعض المسلمين، أسئلة وجودية قد لا يجدون إجابتها عند الكثيرين من غير المتخصصين، وتدور تلك الأسئلة عن بدايات الخلق، وأسرار الكون، والحكمة الإلهية من وراء أشياء كثيرة حولنا.
وتستعرض “الشروق”، لكم إجابات مبسطة على هذه الأسئلة، خلال شهر رمضان الكريم، عبر سلسلة “أسئلة وجودية”، التي تتضمن آراء علماء المسلمين والأزهر الشريف والتراث الإسلامي.
ونقدم لكم في الحلقة السابعة والعشرين من سلسلة “أسئلة وجودية”، الإجابة على أحد أهم الأسئلة التي تشغل ذهن المسلمين، وهو “ما هي أقدم ديانة على الأرض؟”.
– ما هي أقدم ديانة على الأرض؟
تعود أقدم ديانة على الأرض إلى أقدم نبي على الأرض وهو سيدنا “شيث” -عليه السلام- ابن النبي آدم -عليه السلام- الذي خُلق في الجنة، وديانته لا تزال مستمرة حتى اليوم يتبعها “صابئة” العراق!.
وحسبما ورد ذكره في كتاب “قصص الأنبياء” لمؤلفه الإمام الحافظ أبي الفدا إسماعيل ابن كثير القرشي، المتوفي عام 774 هجريا، فإن “شيث” تعني “هبة الله”، وسمى النبي آدم، ابنه شيث بهذا الاسم؛ لأن الله رزقه إياه بعد أن قَتل قابيل أخيه هابيل.
– وصية آدم لشيث وأصل نسب أهل الأرض
لما حضرت آدم الوفاة عهد إلى ابنه شيث وعلمه ساعات الليل والنهار، وعبادات تلك الساعات، وأعلمه بوقوع الطوفان بعد ذلك.
صعدت روح النبي آدم إلى السماء في يوم الجمعة، وجاءته الملائكة بحنوط “عطور”، وكفن من عند الله -عز وجل- من نعيم الجنة، فغسلوه وكفنوه وحفروا له في الأرض ولحدوه، ثم صلوا عليه وادخلوه قبره، ثم حثوا عليه التراب، وعزوا فيه ابنه “شيث”، ثم قالوا يا بني آدم هذه سنتكم، وكسفت الشمس والقمر 8 أيام بلياليهن، وبكت الخلائق نفس المدة حزنا عليه، حسبما رواه الفقيه والتابعي عطاء الخرساني.
ورغم عدم توافر معلومات وافية عن النبي “شيث”، يقال إن انساب بني آدم اليوم كلها تنتهي إليه؛ لأن سائر أولاد آدم الآخرين انقرضوا وبادوا.
– رسالة شيث
أنزل الله على النبي “شيث”، 50 صحيفة من السماء لتبليغ الرسالة، فلما مات آدم -عليه السلام- تولى شيث أعباء النبوة بعده.
وكان الناس، في عهد “شيث” يعبدون الله ولا يشركون به شيئا، متابعين ملة ابيهم آدم، وكانوا ومتحابين وعلى قلب رجل واحد.
ولما حانت وفاة النبي “شيث”، أوصى إلى ابنه “يانش”؛ ليحمل عبء التبليغ بعده، ثم انتقل الأمر لقينن، ثم مهلاييل، وهو الذي يزعم الأعاجم من الفرس أنه كان ملك الأقاليم السبعة، وأنه أول من قطع الأشجار وبنى المدان والحصون، وبنى مدينة بابل العتيقة في العراق.
وينسب لمهلاييل، أنه قهر إبليس وجنوده وشردهم في الأرض إلى أطرافها، وقتل خلقا من مردة الجن وكان له ملكا عظيما.
ولما مات مهلاييل، قام بالأمر بعده ابنه يَرْدُ، فلما حضر يَرْدُ الوفاة أوصى إلى ابنه “خَنوخ”، وهو النبي إدريس -عليه السلام-.
– صابئة العراق الذين لا يزالون على عهد النبي شيث (أقدم ديانة في العالم)
ذكر الله “الصابئة” في كتابه العزيز 3 مرات، منها صورة في سورة الحج الآية 17 بقوله: “إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون”.
ورغم توالي الكثير من أنبياء الله ورسله على البشرية، إلا أنه لاتزال طائفة الصائبة أو المندائية أو الديانة الصابئية أو ديانة الصابئة المندائيين على عهد وتعاليم النبي “شيث” الذي ظهر في بداية الخليقة.
وذكر الإمام بن كثير في كتابه البداية والنهاية، أن الصائبة يؤمنون في ديانتهم بأن سيدنا يحيى بن زكريا هو نبيهم، ويزعمون بأنهم أول وأقدم الديانات والشرائع على الأرض.
ويتبع الصابئة، أنبياء الله مثل النبي آدم، وشيث، وإدريس، ونوح، وسام بن نوح، ويحيى بن زكريا، وكانوا منتشرين في بلاد الرافدين وفلسطين، ولا يزال بعضهم موجود في العراق، كما أنهم موجودون في منطقة الأحواز بإيران.
وتدعو العقيدة الصابئية، للإيمان بالله وتوحيد المطلق، وتتخذ من الأسماء والصفات الإلهية في اعتقادهم مثل الحي العظيم، والحي الأزلي، والمهيمن، والمزكي، والرحيم، والغفور، وهم يصلون كهيئة المسلمين لكن دون سجود وقبلهم هي القطب الشمالي أو نجم الشمال حيث يعتقدون بقوة بتأثير الكواكب، ويصومون 32 يوما في السنة، ويعد أكبر طقوس لديهم هو احتفال بداية الخليقة، حيث يهبطون برداءات بيضاء إلى مياه أحد الأنهار في العراق؛ اعتقادا منهم بأن توقيت بداية الخليقة ينتشر خلال النور وهبوط الملائكة على الأرض.
ويتكلم الصابئة المندائيون اللغة المندائية، وهي تعتبر إحدى اللغات السامية المشهورة في الزمن القديم، وأقرب إلى السريانية “العراقية القديمة” عن غيرها، ويعتقدون أنها اللغة التي تكلم بها سيدنا آدم -عليه السلام-، ويتخذون كتابهم المقدس الكنزاربا، أو سيدرا آدم، وهو يتضمن الصحف الأولى التي نزلت على آدم -عليه السلام- بحسب اعتقادهم.