أنا الموسيقى أتحدث إليكم!
د. وسيم السيسى متابعة عادل شلبى
إذا كان الحب يعجز عن التعبير بالكلمات، فأنا أنوب عنه فى التعبير بالنغمات!، إذا كان لأوتارى أن تنحنى، فهى لمصر، وإذا كان لأصابعى فى البيانو أن تتراقص فرحًا فهى لمصر، تحدث عنى أفلاطون وقال: علموا أولادكم الموسيقى المصرية، فهى أرقى أنواع الموسيقى، كما تحدث عنى هيرودوت قائلًا: الموسيقى والأغانى فى اليونان كلها من مصر.
خاف الإنسان البدائى «عصر السافانا» الظواهر الطبيعية وأصواتها المزعجة كالبرق، والرعد، والزلازل، والفيضانات، فتغلب عليها بالموسيقى، ولعلكم تذكرون فيلم: صوت الموسيقى، وخوف الأطفال من صوت البرق والرعد، فغنت لهم جولى أندروز أغنية بالموسيقى: إذا عضنى الكب أو قرصتنى النحلة وأحس بالألم، أفكر فى أشيائى المفضلة، فلا أحس بالألم بعد ذلك!.
عرف أجدادكم العظماء لغة الملائكة، وهى الموسيقى، فكان الصعود إليهم بالسلم السباعى، والطنين Tone الكامل، والنصف والربع، وهذا ما ذكره عالِم المصريات الفرنسى Fetis.
كنت مقدسة فى مصر العظيمة، فكان اسم الملحن: ابن الأبدية، والموزع اسمه: رب التوافق والنظام، وكانت الفرق الموسيقية تتكون من: عازف الهارب، عازف الناى، المغنى، ثم تطورت هذه الفرق الصغيرة إلى أعداد كبيرة من الموسيقيين يعزفون على: الهارب، الناى، العود، الطنبور، المزمار المزدوج، البزق «العود برقبة طويلة»، السمسمية، الصاجات، الدفوف، الصلاصل «السستروم أو الشخشيخة» وهى الآلة الموسيقية التى استخدمها عبدالحليم حافظ فى أغنيته الرائعة: شغلونى وشغلوا النوم عن عينى ليالى، ساعة أبكى، وساعة يبكى علىَّ حالى.
كما اخترع أجدادكم البوق، ولعلكم تذكرون بوق توت عنخ آمون المحفوظ فى مخازن هيئة الإذاعة البريطانية (b.b.c)، بعد أن نفخ فيه أحد المذيعين سنة ١٩٣٩ فأعلنت إنجلترا الحرب العالمية الثانية بعدها بساعتين!. أنا الموسيقى فى الفرح مدعية، والحزن أيضًا مدعية «الموسيقى الجنائزية»، بل فى الحروب كذلك، كما كنت مصاحبة للرقص، حتى فى علاج شلل الأطفال لتقوية العضلات، حتى فى المعابد، كان الكهنة أساتذة فى علمى، وكانت التراتيل فى الموسيقى الدينية. تجدون على جدارية صورة زوجة تعزف لزوجها على الهارب، وكان الهارب ثلاثة أنواع: المنحنى، وذو الحامل، والكتفى، وأجمل هارب ذلك الموجود فى مقبرة رمسيس الثالث، كما تجدون فى مقبرة أمنمحات الأول صورة لمايسترو يعطى تعليماته للفرقة الموسيقية التى أمامه!. كان المغنى يضع يده على أذنه كما يحدث الآن، وتقولون: آخر انسجام، ومنسجم، وكلمة «سجم» كلمة مصرية قديمة معناها: يسمع!.
لقد وضع فيثاغورث نظرياته الموسيقية بعد أن عاش فى مصر ٢٢ سنة وعاد إلى أثينا. كما قال ديمتريوس الفاليرى، الذى أسهم فى بناء مكتبة الإسكندرية: ربطت مصر بين السلم الموسيقى السباعى والكواكب السبعة وذلك لتفوقهم فى علوم الفلك. إن آلة الناى هى على اسم العاشق الأخرس «آى نا»، الذى سالت دموعه على بوصة صماء وهو ينفخ فيها بكل مشاعره أمام الأميرة التى يحبها، فكانت الثقوب التى خرجت منها أنغام الحب. كان من أغانى أجدادكم الموسيقية: تزود بالحب، ولا تنم على حقد، افرح مادمتَ حيًّا، احتفل بيومك السعيد، فلن يأخذ أحد من متاع الدنيا شيئًا.
أنا الموسيقى أتحدث إليكم!