ألقي خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر، الدكتور إبراهيم الهدهد، أستاذ البلاغة والنقد ورئيس جامعة الأزهر الأسبق ، ودار موضوعها حول “مقام الإحسان”.
وقال الدكتور إبراهيم الهدهد، إن آيات القرآن الكريم زخرت بتعاليم جمة ووضعت الخطوط العريضة لحياة البشر، قال الله عزّ وجلَّ ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾، وهذه الأية هي بمثابة دستور للأمة وطريق إذا أحسنت الأمة تطبيقه علي بعضها، نصرها الله على أعدائها، لأنها تضع الخطة الإلهية للاستقامة علي طريق الله، وأن هذه الآية جاءت بعد قوله تعالي: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾.
وبيّن د. الهدهد، أن من أهم صفات الاستقامة، وصفات المؤمن التي تؤدي إلى قوته؛ قوله تعالى “ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ”، يقول الصحابة كما فهموا من النبى، الذى أعطاه الله فهماً لم يعطه لأحدٍ قبله، أن الأمة إذا التزمت الصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة؛ خضع لهم عدوهم لأن ذلك هو الطريق لنصرها علي أعدائها، فإذا طبق المسلم هذا المعيار الإلهي علي نفسه، ومحيطه، ومجتمعه؛ فإن أثره سوف يمتد إلى النصر على الأعداء.
وتابع: أن مقام الإحسان هو المقام الذي يكون المسلم فيه أقرب إلي الله تبارك وتعالى، حيث إن مراتب التدين والوصول إليه عزَّ وجلَّ لها طريق واحد. عن عمر رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوسٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات يوم إذ طَلَعَ علينا رجلٌ شديد بياض الثياب، شديد سَواد الشعر، لا يُرى عليه أثرُ السفر ولا يعرفه منَّا أحدٌ، حتى جلس إلى النَّبيِّ فأسنَد ركبتيْه إلى ركبتيْه، ووضع كفَّيه على فخذيْه، وقال: يا محمد أخبرْني عن الإسلام؟ إلى آخر الحديث.
وأشار خطيب الجامع الأزهر، إلي أن هذا الحديث هو بمثابة دستور للأمة يوضح لنا كيف ينضبط المسلم علي طريق الاستقامة، أولها الإسلام لأنه ضبط الظاهر والجوارح علي طاعة الله والاستقامة علي طريق الحق، ثم استعان الباطن بالإيمان؛ أى أن تؤمن بالغيب كله، وأن تؤمن بأقدار الله لأن كل ما قدره الله لك؛ فيه مصلحة لك فيرضي عنك. إذا انضبط الظاهر والباطن بالإيمان استقام الإثنان ظاهره وباطنه، ثم يصل بعد ذلك إلى مقام الإحسان، فكل شيء في القرآن مربوط بالحسن، قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾. فالإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه، هذا مقام، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك، هذا مقام آخر، فالمقام الأول مقام مشاهدة، والثاني مقام مراقبة، وأعلاهما الأول.
وتابع: يقول أسلافنا: اعبد الله كأنك تراه لأنه معكم أينما كنتم، قال تعالي: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾، فعليك أن تستحي من الله كما تستحي من صالح قومك، أقبل علي الله درجة يقبل عليك درجات، تقرب إلى الله خطوة يتقرب إليك خطوات. قال تعالي: ﴿إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾. فمقام الإحسان هذا هو مقام نصر الإسلام والمسلمين علي أعدائهم لأن العبد إذا ارتقي إلي هذا المرقي وكان علي مقام الإحسان والعبودية الأرفع، فهو قريب من الله إذا سأله النصر علي الأعداء نصره، وإذا طلبه أجابه؛ وبهذا لا ينفع نفسه فقط، بل ينفع الأمة كلها.