واشنطن (د ب أ)
يقول المحلل الأمريكي إيفان إيلاند إن الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط سيطرت على اهتمام وسائل الإعلام الدولية. وفي الماضي، كانت مثل هذه “الأزمات الدولية” تضغط على الرؤساء الأمريكيين لكي “يفعلوا شيئا ما” بشأنها. أما الرئيس جو بايدن، الذي شهد عهد الحرب الباردة والحرب ضد الإرهاب، فقد أقحم الولايات المتحدة فيها بحماس وبصورة انعكاسية. ومع ذلك، تجاوز أيضا كلاميا غموض الماضي المتعمد بالنسبة للسياسة الأمريكية تجاه تايوان وتعهد في مرات متعددة بالدفاع عن الجزيرة ضد أي هجوم أو غزو من جانب الصين. وهذه السياسة التدخلية في مناطق متعددة- في أوروبا والشرق الأوسط وشرق آسيا- تعد تمددا خطيرا.

ويضيف إيلاند، الزميل البارز في معهد اندبندنت للسياسات ومدير مركز السلام والأمن بالمعهد في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية أنه سواء أقر صانعو السياسات في الولايات المتحدة أم لا- وهم لا يقرون- فقد تصرفت الولايات المتحدة كشرطي العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي ذلك الوقت، كانت الدول الكبرى الأخرى قد عانت من أضرار اقتصادية كارثية بالنسبة لاقتصادياتها ومجتمعاتها. وبالمقارنة بذلك، حظيت الولايات المتحدة التي لم تعاني من أي أضرار إلى حد كبير بنصف الإنتاج الاقتصادي الباقي في العالم. وأصبحت الولايات المتحدة شرطي العالم ليس بسبب احتياجاتها الأمنية ولكن لأنه كان باستطاعتها فعل ذلك. وبعد الحرب خفف الاتحاد السوفيتي، العدو المحتمل الرئيسي للولايات المتحدة من توسعه الثوري وسعى إلى إعادة بناء قدرته الصناعية التي قضى عليها الغزو النازي. كما طورت الولايات المتحدة تقدما في تكنولوجيا الأسلحة النووية القوية الجديدة.

ويقول إيلاند مؤلف كتاب “الحرب والرئاسة المارقة” إنه مع ذلك تغيرالعالم كثيرا منذ انتصار الحلفاء في الحرب العالمية ونهاية الحرب الباردة. فالولايات المتحدة تمثل اليوم فقط حوالي 15% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، لكنها تمثل 40% من الانفاق العسكري في العالم. وذلك التمدد العالمي لم يعد الآن مستداما أو ضروريا .

فالشرق الأوسط، بما يشهده من صراعات وعدم استقرار بصورة مزمنة، أدى إلى تدخلات أمريكية منذ آواخر سبعينيات القرن الماضي من أجل تأمين الإمدادات العالمية للنفط. ومع ذلك فإن ثورة التكسير الهيدروليكي جعلت الولايات المتحدة الدولة المتصدرة في انتاج النفط في العالم مرة أخرى. ومن ثم، فإن الولايات المتحدة تمتلك الأرض، والبحر، والقوات الجوية في المنطقة لتأمين إمدادات الدول الأخرى من النفط- خاصة إمدادات الدول الغنية في أوروبا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وتايوان. وحتى لوكانت تلك الثورة لم تحدث، لكان شراء النفط من الأسواق الدولية أرخص من الإنفاق للحصول على قوات عسكرية باهظة التكاليف لانتاج سلعة مربحة تتدفق حتى أثناء كل أوقات الحروب . وبالنسبة للمساعدات العسكرية السنوية التي تبلغ 4 مليار دولار لإسرائيل، فإنها يبدو أنها تدعم تصرفات تمثل نتائج عكسية لحل الدولتين طويل الأمد للصراعات الدائمة بشأن فلسطين.

وبادىء ذي بدء، فإن أوروبا، التي كانت المسرح الرئيسي للقلق بالنسبة للولايات المتحدة تراجعت أهميتها الاقتصادية النسبية . إذ أن حصة الاتحاد الأوروبي في إجمالي الناتج المحلي في العالم تشهد تراجعا وتمثل الآن أقل من 15% من الإجمالي. ومع ذلك، فإن إجمالي الناتج المحلي لأوروبا مازال كبيرا بالمقارنة بإجمالي الناتج المحلي لروسيا، الدولة التي تمثل التهديد الأكبر له، إذ أن إجمالي الناتج المحلى فيها يبلغ أقل من 3% من الإجمالي العالمي.

وأكد إيلاند أنه يتعين على الأوروبيين الذين لديهم إجمالي ناتج محلي يبلغ خمسة أضعاف إجمالي الناتج المحلي في روسيا، دفع تكاليف دفاعهم، وبالتحديد تولي مسئولية مساعدة أوكرنيا في مواجهة الغزو الروسي. فزيادة مساعداتهم لأوكرانيا أقل تكلفة بالنسبة للأرواح والمال من محاربة الروس مباشرة.

ويضيف إيلاند أنه على الرغم من أن الأوكرانيين يقومون بعمل بطولي- حيث قضوا على ثلث القوات القتالية الروسية- فإن أوكرانيا أكثر أهمية استراتيجيا بالنسبة للدول الأوروبية عنها بالنسبة للولايات المتحدة. ومع ذلك، بلغت المساعدات الأمريكية لأوكرانيا أكثر من 75 مليار دولار حتى الآن- وهو ما يمثل إسهاما كبيرا للغاية بالنسبة للأمن الأوروبي.

وأوضح إيلاند أن الولايات المتحدة تحتاج بدلا من ذلك تركيز اهتمامها ومواردها على ما يبدو الآن المنطقة الأكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة وهي منطقة شرق آسيا. وفي العقود الأخيرة ارتفع إجمالي الناتج المحلي الكلي لشرق آسيا إلى 26% من الإجمالي العالمي. وفي هذه المنطقة هناك حاحة لمراقبة صعود نجم الصين، العدو المستقبلي الاكثر ترجيحا بالنسبة للولايات المتحدة ، وتصرفاتها الأخيرة الأكثر عدوانية تجاه تايوان وبحر الصين الجنوبي. ومع ذلك يتعين على الرئيس بايدن التخلي عن الابتعاد عن سياسة الغموض الأمريكية الرسمية تجاه الدفاع عن تايوان.

واختتم إيلاند تقريره بالقول إنه يتعين وضع التهديد الصيني في منظوره الصحيح. فتطهير الرئيس الصيني شي جين بينج الأخير للجنرالات في جيش التحرير الشعبي يوضح أنه يخشى إمكانية أن يبتلى جيشه في أي هجوم على تايوان بما شهده الجيش الروسي من تفسخ و غزوه الفاشل لأوكرانيا. كما أن شي زاد من تدخل الحزب والدولة في الاقتصاد، الذي زاد من مشكلات الصين الاقتصادية الضخمة الناجمة عن الصناعات والبنوك التابعة اللدولة والتي تتسم بعدم الكفاءة. ومن ثم، فإن إجمالي الناتج المحلي النسبي المتزايد لمنطقة شرق آسيا واحتمال تزايد قوة الصين ينبغي أن يتطلب معظم اهتمام وموارد الولايات المتحدة ، ولكن ليس إلى درجة القلق المبالغ فيه أو الهيستيريا.

Loading

By عبد الرحمن شاهين

مدير الموقع الإلكتروني لجريدة الأوسط العالمية نيوز مقدم برنامج اِلإشارة خضراء على راديو عبش حياتك المنسق الإعلامي للتعليم الفني