سلطت اشتباكات مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان بين فصائل متناحرة الأضواء على الأوضاع الأمنية في المخيمات وانعكاسها على موقف اللاجئين بعد نزوح 20 ألفا، بينهم 12 ألف طفل، وفقا لهيئة إنقاذ الطفولة.
وأدت الاشتباكات التي اندلعت الأسبوع الماضي في المخيم القريب من مدينة صيدا في جنوب لبنان إلى مقتل 13 شخصا وإصابة أكثر من 60، بينما قالت هيئة إنقاذ الطفولة إن العديد من الأطفال انفصلوا عن أسرهم أو القائمين على رعايتهم في أثناء الفرار من الاشتباكات.
ووفقا لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا)، يبلغ عدد المخيمات الفلسطينية في لبنان 12 مخيما، أكبرهم هو مخيم عين الحلوة الذي يعيش فيه حوالي 80 ألفا من بين ما يصل إلى 250 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان.
غير أن إحصاءات رسمية لبنانية تقدر عدد الفلسطينيين الموجودين على أراضيها بأكثر من 400 ألف.
ويمنع قانون العمل اللبناني اللاجئين الفلسطينيين من ممارسة أكثر من 70 مهنة، منها الطب والهندسة والمحاماة، مما قد يفسر ارتفاع نسبة البطالة بين الفلسطينيين في المخيمات اللبنانية، والتي قدرتها المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان بحوالي 80 بالمئة من اللاجئين.
وتحدثت مصادر إلى وكالة أنباء العالم العربي (AWP) عن المشاكل الأساسية التي يعاني منها اللاجئون الفلسطينيون في المخيمات، والتي تساهم في تفجر الأوضاع الأمنية.
وقال أحد المصادر “أولى تلك الأزمات انتشار المخدرات بين الشباب الفلسطيني خلال السنوات الأخيرة، وهي تعتبر الأشد فتكا باللاجئين، وحتى قبل السلاح غير المنضبط”.
وتابع المصدر قائلا “توزيع المخدرات زاد في السنوات الثلاث الماضية تزامنا مع الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان، وانعكست بطبيعة الحال على اللاجئين الفلسطينيين من حيث زيادة البطالة بين الشباب، مما جعلهم أرضا خصبة لتعاطي المواد المخدرة وتشغيلهم في توزيعها مقابل المال”.
وأشارت المصادر إلى أن بعض المجموعات الفلسطينية تستخدم المخدرات في السيطرة على الشباب.
وقال مصدر “هل هناك تسهيلات من بعض الفصائل الفلسطينية لإدخال المواد المخدرة إلى بعض المخيمات؟ وهل هناك اختراق لتلك الفصائل من قبل مجموعة لها تواصل مع تجار مخدرات خارج المخيمات لإغراقها بالمخدرات مثل الحشيش والكوكايين؟ ما يحدث يؤكد وجود طرق تمر بها المخدرات إلى الشباب، وأحدها عبر وسطاء فلسطينيين”.
* كميات ضخمة من السلاح
تتولى قوات أمن فلسطينية تأمين المخيمات من الداخل، فيما يتمركز الجيش اللبناني خارجها.
وشددت المصادر التي تحدثت إلى وكالة أنباء العالم العربي على خطورة ظهور كميات ضخمة من السلاح بين الفصائل الفلسطينية المتناحرة في مخيم عين الحلوة خلال المواجهة الأخيرة التي استمرت عدة أيام وأصدرت بعدها عدة دول خليجية تحذيرات من السفر إلى لبنان.
وقال أحد المصادر “في السابق كان وجود السلاح يقتصر على القوى والفصائل الفلسطينية المعروفة، والتي تحافظ على نوع من التنسيق والتواصل فيما بينها، وإن وقع إشكال أمني يمكن ضبطه بشكل أسرع لأن الاشخاص معروفون وكذلك المجموعات، أما الآن فتوجد مجموعات تصنف نفسها بأنها إسلامية، لا يمكن ضبط عناصرها”.
ويتمركز العديد من المجموعات الإسلامية في المخيمات الفلسطينية في لبنان تحت أسماء مختلفة، منها عصبة الأنصار وفتح الإسلام وجند الشام، ويعتبرها محللون امتدادا لتنظيمات مثل داعش وجبهة النصرة.
وقال أحد المصادر لوكالة أنباء العالم العربي إن القيادات الفلسطينية ارتكبت خطأ بتعاملها مع تلك المجموعات ظنا منها أنها تستطيع السيطرة عليها.
وأضاف “إعلان المجموعات الإسلامية البيعة لتنظيمات مثل داعش لا يعني بالضرورة أنها تابعة لها، وهذا ما حدث في مخيم اليرموك في دمشق خلال الحرب في سوريا، حين أعلنت مجموعات عن تأييدها للمعارضة السورية وقاتلت الجيش السوري.
“تلك المجموعات بدلت صفتها من فلسطينية إلى إسلامية ثم أصبحت متطرفة بحسب حاجتها إلى التمويل ومن أجل جذب مزيد من الشباب للقتال معها، لينتهي الأمر بهزيمتها وتهجير وتدمير جزء كبير من المخيم”.
وأبدت مصادر أخرى تحدثت إلى وكالة أنباء العالم العربي مخاوف من تكرار ما حدث في مخيم نهر البارد بشمال لبنان عام 2007، حين سيطرت مجموعة فتح الإسلام على المخيم واشتبكت مع الجيش اللبناني، وانتهت المعركة بطرد الحركة من المخيم، لكن بعد تدميره وتهجير جزء كبير من سكانه.
* وجهان للصراع
تقول المصادر إن وصول السلاح إلى المجموعات المتطرفة يمكن اعتبار أن هدفه إشعال القتال بين الفلسطينيين.
وأضافت “نحن أمام وجهين لصراع السيطرة على المخيمات، الوجه الأول هو الوضع الفلسطيني والإقليمي من خلال انعكاس التجاذبات السياسية بين الفصائل الفلسطينية، وتحديدا بين فتح وحماس، إلى معارك عسكرية وجولات قتال محدودة بهدف كسب سيطرة أكبر على الساحة الفلسطينية.
“أما الوجه الثاني هو وجود صراعات داخل المخيمات بين المجموعات الإسلامية على السيطرة على المخيمات، وهذا الوجه من الصراع لا يعني ارتباطه بأي شأن خارج المخيم. ولضيق نظر بعضهم، أصبح يسعى إلى امتلاك السلطة على بعض الأحياء السكنية وتنصيب نفسه مسؤولا عنها”.
وحذرت مصادر تحدثت إلى وكالة أنباء العالم العربي أن الحل العسكري ضد المجموعات المتطرفة له تكلفة بشرية ومادية لا يستطيع الوضع الأمني في لبنان تحملها كما أن ترك الأمور على حالها سيعطي لها القدرة على التمدد وإعادة تنظيم نفسها.
وقال أحد المصادر “يجب أن يكون هناك قرار ومشروع فلسطيني لضبط الوضع ومحاولة تفكيك تلك المجموعات وطرد المسلحين غير الفلسطينيين منها، مثل اللبنانيين والسوريين، لأن الأمور في أي لحظة قد تتوسع أمنيا ليتحول الفلسطيني مرة أخرى إلى أداة للضغط السياسي على الساحتين اللبنانية والفلسطينية”.
وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني نجيب ميقاتي قد قال يوم السبت إن الوضع الأمني “لا يستدعي القلق والهلع”، مضيفا أن الاتصالات السياسية والأمنية لمعالجة أحداث مخيم عين الحلوة “قطعت أشواطا متقدمة”.
وخرج وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي أمس الاثنين ليؤكد على عدم السماح بتعريض أمن اللبنانيين أو العرب في لبنان للخطر، وعلى متابعة عمليات مكافحة تهريب المخدرات بالتعاون بين كل المؤسسات الأمنية والعسكرية.
وأعلن مولوي في مؤتمر صحفي اتخاذ المؤسسات الأمنية كل الإجراءات الضرورية لمنع انتقال الاشتباكات إلى خارج مخيم عين الحلوة، مضيفا أن الأجهزة الأمنية ستتعامل مع المجموعات المتطرفة في المخيمات الفلسطينية وفق ما يلزم.