منذ انطلاق النسخة الحديثة من كأس العالم للأندية عام 2000، ظلت الفرق الأوروبية تتعامل مع البطولة باعتبارها تتويجًا طبيعيًا لموسم طويل من التفوق، حيث تحوّلت البطولة إلى منصة استعراضية لتأكيد الهيمنة الكروية على المستوى العالمي. ومع مرور السنوات، بات التتويج الأوروبي باللقب أقرب إلى العادة، بينما تكتفي أندية القارات الأخرى بمحاولات مشرفة غالبًا ما تنتهي عند الأدوار النهائية، أو قبلها بقليل.

 

لا يمكن لهيمنة أوروبا في كأس العالم للأندية فصلها عن واقع اللعبة الحديثة، حيث تمثل الأندية الأوروبية القوة الاقتصادية والتسويقية الكبرى في عالم كرة القدم. أندية مثل ريال مدريد، بايرن ميونيخ، تشيلسي وليفربول لا تمتلك فقط تاريخًا عريقًا، بل تعتمد على منظومات إدارية واقتصادية وفنية متكاملة، تمنحها التفوق في الاستقطاب، والاستعداد، وإدارة المواهب. ميزانيات ضخمة، منشآت عالمية، وفرق كاملة خلف كل فريق داخل الملعب، مما يجعل المنافسة معهم أشبه بمحاولة صعود جبل شاهق بأدوات بدائية.

 

ولكن المسألة ليست اقتصادية فقط، فهناك بعد فني واضح، يتمثل في جودة اللاعبين، ومدى انسجامهم، وطبيعة المنافسات التي يخوضونها. فالفرق الأوروبية تصل إلى كأس العالم للأندية وهي قد خاضت موسماً كاملاً في أقوى دوريات العالم، وواجهت فرقًا من النخبة في دوري أبطال أوروبا، ما يجعلها معتادة على مستويات ضغط فني وتكتيكي هائل، لا تجدها أندية أمريكا الجنوبية أو آسيا أو أفريقيا بنفس الشكل والتواتر. لذلك، فعندما تواجه هذه الفرق خصمًا من خارج القارة، تكون مستعدة بدنيًا ونفسيًا وتكتيكيًا بدرجة يصعب مجاراتها.

 

وعلى الجانب الآخر، تأتي أندية أمريكا الجنوبية، التي كانت في السابق صاحبة الكلمة العليا في النهائيات المبكرة، لكنها بدأت تتراجع تدريجيًا مع تصاعد وتيرة الاحتراف في أوروبا، وتحوّل أبرز لاعبيها إلى القارة العجوز في سن مبكرة. أما أندية آسيا وأفريقيا وأمريكا الشمالية، فرغم تحقيق بعض المفاجآت، فإنها لا تزال تعاني من تفاوت المستويات، وغياب العمق في التشكيلات، وضعف المنافسة المحلية مقارنةً بالدوريات الأوروبية.

 

ربما كانت تجربة الهلال السعودي في نهائي نسخة 2022، أو تتويج كورينثيانز البرازيلي في 2012 على حساب تشيلسي، بمثابة استثناءات نادرة كسرت بعض التوقعات، لكنها لم تغيّر الصورة العامة للبطولة، التي ما زالت تحت السيطرة الأوروبية الكاملة، حيث فآخر عشر نسخ من البطولة شهدت تتويج فريق أوروبي في كل مرة، في تأكيد صريح على اتساع الهوة.

 

السؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل يمكن وقف هذا الطوفان الأوروبي؟ وما السبيل أمام باقي القارات لتقليص الفجوة؟ الإجابة قد تكون في الاستثمار طويل الأمد، وبناء منظومات احترافية شاملة، تبدأ من تطوير الأكاديميات المحلية، ورفع جودة المنافسات المحلية، وخلق بيئة اقتصادية قادرة على الحفاظ على النجوم، بدلًا من تصديرهم في سن مبكرة.

 

حتى يتحقق ذلك، ستظل كأس العالم للأندية ساحة شبه مضمونة لتتويج أندية أوروبا، وسيبقى التحدي قائمًا لكل من يحلم بكسر تلك الهيمنة، أو حتى زعزعة استقرارها. فالقضية لم تعد فيمن يشارك، بل فيمن يستطيع الوقوف بثبات أمام عمالقة اللعبة الحديثة.

Loading

By عبد الرحمن شاهين

مدير الموقع الإلكتروني لجريدة الأوسط العالمية نيوز مقدم برنامج اِلإشارة خضراء على راديو عبش حياتك المنسق الإعلامي للتعليم الفني