كتبت: نورا حمدي


مراجعة الذات والاعتراف بالخطأ والمبادرة إلى تصحيحه والاعتذار عنه، ثم التعويض عن الضرر، كلها قيم أخلاقية سامية، تحث عليها النصوص الدينية، ولعلّ كلمة «التوبة» ومشتقاتها من أكثر الألفاظ دوراناً في القرآن الكريم. وما التوبة إلا التعبير الأسمى عن فضيلة «الاعتذار»، وهناك عشرات النصوص في تمجيد «النفس اللوّامة» التي تراجع نفسها باستمرار، وتنشغل بتصحيح عيوبها بأكثر من انشغالها بعيوب الآخرين، عشرات النصوص الدينية في وجوب إحسان الظن بالآخر وتلمس الأعذار له، والصفح والإحسان، لأن الاعتذار هو البلسم الشافي للجراح وله أعظم الأثر في تذويب العداوات وإزالة المرارات وتأليف القلوب ومواساة المشاعر. الاعتذار عنوان الرقي، ومطهر صحي للذات، ومصحح للسلوك، وله فعل السحر في النفوس، وفي كسب القلوب ومداواة الجروح، وإزالة الاحتقانات، تأمل قوله تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، «سورة فصلت: الآية 34»، وقوله عز وجل: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً)، «سورة الفرقان: الآية 63».

التساؤل المحير: إذا كانت لثقافة المراجعة ونقد الذات والاعتذار، هذه المكانة العالية في ديننا وفي تراثنا الإسلامي وأدبياتنا الثقافية، فلماذا هي غائبة أو مغيبة في المجتمعات العربية والإسلامية؟! لماذا لا نعتذر عن أخطائنا؟ من لا يعتذر، لا يتعلم من أخطائه، فلا يطور نفسه وحياته إلى الأفضل؟ ما أكثر الإساءات وما أقل الاعتذارات! شعوب، ودول، وأحزاب، ومنابر، ورموز دينية، وسياسية، وثقافية.. تسيء إلى بعضها بعضاً، ثم تكابر وتناور وتراوغ ولا تعترف بالأخطاء ولا تعتذر! لا يقدم على الاعتذار إلا من عنده الثقة بنفسه، ومن عنده الشجاعة في تحمل المسؤولية ما يجعله يصحح مواقفه، وما أقل هذه المواقف الشجاعة في حياتنا المعاصرة!
ختاماً: لماذا تغيب ثقافة الاعتذار في مجتمعاتنا؟
من اخطأ وجب عليه الاعتذار

Loading

By hanaa

رئيس مجلس إدارة جريدة الاوسط العالمية نيوز