لواء د. سمير فرج متابعة عادل شلبى


فجأة أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن موافقته على مبدأ جذب المتطوعين من الخارج للمشاركة في العملية العسكرية الدائرة الآن على مسرح عمليات دولة أوكرانيا بهدف دعم 150 ألف مقاتل روسي يقاتلون هناك. وقال بوتن خلال اجتماعه مع مجلس الأمن الروسي أنه إذا كان هناك أشخاص يريدون الانضمام بشكل تطوعي، فنحن مستعدون لاستقبالهم ونقلهم إلى مناطق القتال في أوكرانيا. بينما أكد وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو أن 16 ألف متطوع من الشرق الأوسط جاهزون الآن للمجيء إلى أوكرانيا للقتال جنباً إلى جنب مع القوات الروسية. وجاءت هذه التصريحات بعد أن أشار الرئيس الروسي بوتن أن الممولين للنظام الأوكراني يعملون الآن على جمع المرتزقة من جميع أنحاء العالم ونقلهم إلى أوكرانيا.
وكانت أوكرانيا قد أعلنت عن تشكيل فيلق من المتطوعين الأجانب ليدمج في قواتهم المسلحة لمحاربة القوات الروسية على أراضيها أطلقت عليه اسم “الفيلق الدولي،” بينما أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أنه سيسمح للمقاتلين من سوريا ودول الشرق الأوسط بالقتال إلى جانب روسيا في أوكرانيا. وتأتي فكرة استخدام المقاتلين من الشرق الأوسط على أساس أنهم من شمال سوريا والذين حاربوا مع القوات الروسية للقضاء على تنظيم داعش ونجحوا بالفعل في هذه المهمة، لذلك فهم متمرسين على عمليات حرب العصابات والقتال في المدن خصوصاً في عمليات مقاتلة عناصر داعش في مدينة حلب السورية جنباً إلى جنب مع القوات الروسية بل أن بعض هؤلاء المرتزقة أصبح يجيد التحدث باللغة الروسية وبالتالي أصبح من الممكن استخدامهم في القتال في أوكرانيا. ويرى المحللون أن هناك أكثر من سيناريو لاستخدام هذه القوات، الأول هو انضمام هذه العناصر القادمة من شمال سوريا إلى المقاتلين في الجمهوريات المستقلة في جنوب أوكرانيا في دونيتسك ولوغانسك للمحاربة معهم لاستكمال الاستيلاء على مدن ماريبول وأوديسا وبالتالي السيطرة على جنوب أوكرانيا، على أن يتم نقل القوات الروسية المتواجدة هناك في اتجاه العاصمة كييف، وخاركيف وسومي في الشمال لتسريع عملية الاستيلاء عليهم. بالطبع سيكون في ذلك اغراء للمرتزقة السوريين على أمل العيش في هذه الجمهوريات الأوكرانية الانفصالية مستقبلاً بدلاً من العيش في شمال سوريا.
أما السيناريو الثاني فأن يتم استخدام هؤلاء المرتزقة ذوي الخبرة في القتال في اتجاه العاصمة الأوكرانية كييف لسرعة الاستيلاء عليها وبالتالي اسقاط الدولة وتعيين حكومة جديدة موالية لروسيا، حيث ستقوم هذه العناصر باختراق شوارع كييف مستغلة خبرتهم في القتال في شمال سوريا وبالتالي تقليل الخسائر في القوات المقاتلة الروسية خاصة أن هذه العناصر السورية تأتي من الفرقة 25 وكتائب البعث السورية. وقد أظهرت صور الأقمار الصناعية اقتراب أضخم قافلة عسكرية روسية من العاصمة الأوكرانية كييف بعد أن تم إعادة تجميع صفوفها شمال غربي كييف قرب مطار أنتونوف، حيث أكدت المخابرات البريطانية أن إعادة تمركز القوات الروسية يهدف إلى سرعة الاستيلاء على العاصمة كييف.
وعلى الجانب الآخر أعلن الرئيس الشيشاني رمضان قديروف استعداد بلاده للدفع بعشرة آلاف مقاتل شيشاني للقتال إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا. لذلك فإنه من المنتظر مع وصول القوات السورية من شمال سوريا والقوات الشيشانية أن يبدأ تدفق المقاتلين من دول أوروبا للانضمام لمعاونة الجيش الأوكراني في قتاله ضد القوات الروسية، فيتحول مسرح العمليات في أوكرانيا إلى قتال بين عناصر المرتزقة الأجنبية ويصبح من الصعب السيطرة عليه حتى في حالة الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مستقبلاً تحت أي ظروف.
وعلى الجانب السياسي يبدو أن المستشار الألماني الجديد أولاف شولتس قد قام بتحول مفاجئ في العلاقات الألمانية الروسية، حيث قرر وقف العمل بخط نورد ستريم 2 الذي كانت روسيا تنتظر تشغيله بفارغ الصبر لتوريد الغاز الطبيعي الروسي إلى المانيا ومنها إلى باقي دول أوروبا. وبالطبع جاءت سياسة المستشار الألماني مخالفة لفكر مستشارة المانيا السابقة ميركل التي كانت ترى ضرورة التقارب مع روسيا، مما جعل المانيا أسيرة للغاز الروسي، حيث تعتمد المانيا على الغاز الروسي في تأمين 50% من احتياجاتها. ورغم ذلك فقد استجاب المستشار الألماني لضغوط العقوبات الأوروبية وقلص اعتماده التجاري بشكل حذر للغاية، لكنه احتفظ بحق الاستمرار في الحصول على الغاز الروسي عبر الخط نورد ستريم 1.
أما الجانب الأمريكي فقد استمر من خلال قرارات الرئيس جو بايدن في توقيع المزيد من العقوبات الاقتصادية بشكل يومي على الجانب الروسي، وبالطبع كان هناك رد روسي على كل هذه العقوبات. فقد قرر فلاديمير بوتن تسديد كافة الالتزامات المالية الروسية بالروبل، كذلك هناك اتجاه لمصادرة وتأميم ممتلكات الشركات الأمريكية التي كانت تعمل في روسيا وانسحبت تنفيذاً للعقوبات، حتى أن النكتة التي ظهرت على صفحات السوشيال ميديا أن سلسلة مطاعم KFC في روسيا سيعاد افتتاحها باسم KGB أي مطاعم المخابرات الروسية. أما التحرك الأمريكي الذي أذهل الجميع فكان قيام الإدارة الأمريكية بإرسال وفد من وزارة الخارجية الأمريكية إلى فنزويلا في محاولة لإذابة الجليد عن العلاقات العدائية بين أمريكا وفنزويلا أحد أهم مصادر النفط في العالم والتي كانت الولايات المتحدة قد فرضت عليها عقوبات اقتصادية شديدة بعد وصول الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو موروس والذي تعتبر أمريكا أنه وصل إلى السلطة بشكل غير شرعي، كما تتهمه بالتورط في عمليات تهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة. لذلك فبعد أن قامت الولايات المتحدة بفرض حظر على استيراد النفط والغاز الطبيعي الروسي للضغط على بوتن، لم تجد أمريكا مفراً من تخفيف القيود على فنزويلا والسماح لها بزيادة انتاج النفط وتصديره خاصة أن فنزويلا تعتبر من أكبر الدول التي لديها احتياطي نفطي في العالم، وبالتالي من الممكن تعويض الأسواق الأوروبية والأمريكية باحتياجاتها من النفط. كذلك أعلن الرئيس الأمريكي اقصاء موسكو من نظام التجارة التبادلي المعمول به في التجارة العالمية وهذا يعني فرض رسوم جمركية عقابية. كما قرر جو بايدن حظر استيراد وتصدير للقطاعات الرئيسية في الاقتصاد الروسي متمثلاً في وقف الواردات من المنتجات البحرية والمشروبات الكحولية والأحجار الكريمة من روسيا ومثيلاتها من المعدات الالكترونية من الولايات المتحدة. كذلك حظر تصدير المشروبات الكحولية ومنتجات التبغ والثياب والحلي والسيارات إلى روسيا.
وبالنسبة للمفوضية الأوروبية، أعلن التكتل الأوروبي حظر تصديرالمنتجات الفاخرة إلى روسيا. كما شاركت اليابان أيضاً في توجيه عقوبات اقتصادية على روسيا، كذلك أعلنت أستراليا أنها ستخطو نفس خطوات الولايات المتحدة وبريطانيا بحظر استيراد البترول والغاز من روسيا. وهكذا يبدو أن الجميع قد كرسوا جهودهم نحو حصار اقتصادي لروسيا التي ما زالت تقف بشدة ضد كل هذه الإجراءات، ويقف معها الصين وكوريا الشمالية والهند من القوى الكبرى. لكن يبدو أن كل هذه العقوبات لن تنال روسيا فقط بل سيمتد تأثيرها على العالم كله من زيادة في الأسعار ونقص في المواد والسلع، حتى أن الرئيس الفرنسي صرح في مؤتمر الدول السبع أن الدول الأفريقية الفقيرة سوف تعاني بشدة في الأيام القادمة. لذلك فإن العالم الآن يبحث عن المخرج من هذه الأزمة الاقتصادية التي ستنال المواطن في كل مكان على وجه الأرض.

Loading