تمثل الانتخابات المقررة في إندونيسيا غدا الأربعاء، 14 فبراير، نقطة تحول محتملة في أقوى دولة بمنطقة جنوب شرق أسيا، ومن المرجح أن تلعب دورا رئيسيا في تحديد مسار علاقات جاكرتا مع الصين وأمريكا مستقبلا، إضافة إلى مصير الديمقراطية في البلاد.
ويتوجه ناخبو إندونيسيا إلى صناديق الاقتراع غدا لاختيار رئيس جديد ونائب رئيس، وبرلمان مركزي وبرلمانات على مستوى الأقاليم والمحافظات، بواقع انتخاب 20 ألف نائب وممثل لهذه البرلمانات. وتعد هذه الانتخابات الأكبر التي تجرى في العالم في يوم واحد فقط.
وبحسب دستور إندوينسيا، لا يحق للرئيس الحالي جوكو ويدودو(جوكوي)، الترشح لخوض الانتخابات من أجل ولاية ثالثة، ولكنه تدخل على نطاق واسع في الفترة السابقة على الانتخابات. فكيف كانت نتائج تدخله؟
ويقول جوشوا كورلانتزيك، الخبير بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، في تقرير نشره المجلس، إنه يبدو من المرجح أن أفعال جوكوي قد غيرت مسار السباق إلى حد كبير، بل وربما حسمته، على حساب الديمقراطية في إندونيسيا.
وعندما جرى انتخاب جوكوي رئيسا، للمرة الأولى في عام 2014، كان يروج له على أنه مصلح ديمقراطي.
وكان جوكوي رجل أعمال صغير سابق ينتمي للطبقة المتوسطة، كما كان أول رئيس للبلاد في العهد الديمقراطي لا ينتمي للنخبة في جاكرتا، ولم تكن له علاقات بفترة القمع تحت حكم الرئيس الراحل سوهارتو. وتعهد جوكوي بتوسيع الحقوق، ومكافحة الفساد، وتعزيز الاقتصاد، والاحجام عن السعي لإقامة سلالة حاكمة، حيث ألقت مثل هذه الأسر الحاكمة، ولا تزال، بظلالها على مسار السياسة في البلاد.
ورغم نجاح جوكوي في الفوز بولاية ثانية في عام 2019 – وهو ما كان إلى حد كبير بفضل سياسته الاقتصادية الناجحة – فقد أخفق، عمليا، في جميع المجالات السياسية الأخرى تقريبا: حيث تراجعت إندونيسيا عن دعم الحقوق الديمقراطية، كما سمح الرئيس للجيش- الذي ذاعت سمعته السيئة في عهد سوهارتو بوحشيته وتورطه في السياسة الوطنية- بالتدخل على نحو موسع في شؤون البلاد، وكذلك بمزيد من السيطرة على العديد من الوزارات المهمة. وإلى جانب ذلك، قوض جوكوي هيئة مكافحة الفساد، كما عقد تحالفات مع بعض من أكبر الساسة الفاسدين، القدامى، في البلاد.
ومن أبرز الأعمال التي قام بها الرئيس جوكوي، تعيين برابوو سوبيانتو لتولي حقيبة وزارة الدفاع، رغم اتهامه من قبل العديد من الجماعات الرقابية بأنه يملك سجلا سيئا في مجال حقوق الإنسان. وعلى مدار سنوات، لم يتمكن سوبيانتو من الحصول على تأشيرة دخول لأمريكا لهذا السبب.
كما يدعم الرئيس جوكوي حاليا، بحكم الواقع، برابوو الذي يبلغ من العمر 72 عاما، وهو الآن ضمن النخبة القديمة التي تحكم البلاد منذ فترة طولة، في السباق الرئاسي 2024، وليس مرشح حزب الرئيس. وبذلك، ليس من قبيل المصادفة أن يختار برابوو نجل جوكوي جبران راكابومينج راكا، الذي يبلغ من العمر 36 عاما، مرشحا على تذكرته لمنصب نائب الرئيس في الانتخابات. وجبران هو العمدة الحالي لمدينة سولو، التي تمثل القاعدة الانتخابية لجوكوي.
ودون صلته بالرئيس الأب، يعتبر الابن جبران عديم الخبرة لحد لا يسمح له بالترشح لمنصب نائب الرئيس، وقد ارتكب بالفعل العديد من الهفوات.
وقد تطلب الأمر من المحكمة العليا في إندونيسيا، برئاسة صهر جوكوي، إصدار حكم خاص للسماح لشخص في نفس عمر جبران بخوض الانتخابات على منصب نائب الرئيس.
وخلص الخبير بمركز العلاقات الخارجية الأمريكي جوشوا كورلانتزيك في ختام تحليله إلى أن جوكوي قد مزق التعهد الذي كان قطعه على نفسه بعدم إقامة “سلالة حاكمة”، عندما قرر الدفع بنجله جبران، وبنجل آخر، أصغر سنا، للترشح لمنصب عمدة مدينة.