الثقة مابين الصدق والإحتيال وحيل الشيطان

بقلمي: جمال القاضي

نرى الكثير من البشر في مظاهر ملاك ، لايخطئ بالظاهر ، حسن القول ، قبيح الفعل ، حيلاً يستخدمها ، ليجعلك تثق به ، ثم تصبح أنت في نظره فريسة سهلة يهاجمها وينقض عليها ، لايصبح من بقاياها سوى معنويات هشة محطمة ، وسمعة بعدها سيئة ، لاتقوى على مواجهة المجتمع أو العيش فيه ، وكل ذلك هو كان من تلك الطعم المسموم التي كان دائما يطعمها لهم ويسمى بالثقة ، يقدمه لتكون النتيجة الإنتهاء ويصبح أيضا شخصا ميتا يمشي بين الأحياء ، تشير إليهم أصابع كل من يراهم قائلين عن كل يصبح هكذا ساذجاً هوى في بئر الإحتيال وضحية جديدة أتت من حيل الشيطان .

أفعالنا هي سلوكيات ، خاضعة لأهداف ، هكذا ما يكون عليه العاقل ، فكل سلوك لعاقل دائماً يسبقه هدفاً ، فلو سألني أحد الأشخاص المتواجدين بجانبي سؤال إلى أنت ذاهب ؟ لقلت لتناول كوباً من الماء مثلاً أو لأفعل كذا أو كذا ، حيث ارتبط السلوك هنا بهدف يدفع الشخص للقيام بفعل معين ، والسلوك يمكن أن نرى أثره بأعيننا ، لكن الهدف لايرى لأنه معنوي ، وتلك الأفعال للعاقل هكذا تكون وبهذه الكيفية ، لكن تختلف السلوكيات عند من هو ليس له عقل أو كان شخصاً مجنوناً ، فالعاقل سلوكياته منظمة طبقاً لتنظيم أهدافه وطبيعتها ، لكن المجنون أو غير العاقل لاتتوقع مسبقاَ ما قد يكون عليه تصرفه أو سلوكه فقد يتغير فجأة بتغير هدفه ، سلوكياته دائما عشوائية ، بعشوائية أهدافه .

أما عن الإرتباط بين الفعل والسلوك فيمكن تقسيم البشر حسب ذلك لثلاثة أنواع وهي :

النوع الأول : هناك من قوله حسن وفعله حسن

النوع الثاني : قوله حسن وفعله سيء

النوع الثالث : قوله سيء وفعله سيء

أما عن الشخص الأول فهو معلوم للجميع ولايختلف في وصفه بالأخلاق الحميدة اي من الأشخاص الذين سبق وأن تعاملوا معه ، وهؤلاء الأشخاص فئة قليلة نفتقدها في مجتمعنا الحالي ، هم عملة نادرة التواجد لكنهم موجودين رغم ندرتهم ،

وعن النوع الثالث فهم فئة كثيرة التواجد ، ولكننا لانرغب في تواجدهم ، وهؤلاء معلوم طباعهم والجميع يعرفهم ويحاول الإبتعاد عنهم ، حيث علم كل من حولهم مدى خطورة القرب منهم أو التعامل معهم ، ولأن خطورتهم معلومة لذلك أصبحوا غير خطر ، لأننا سوف نبتعد عنهم بالضرورة ونتجنب أي طريق يؤدي إليهم لأنهم بمثابة أعداء وللنجاة من عدو معلوم هو الإبتعاد المحكوم ،

والحديث من البداية ومقصده ، هو عن أخطر هذه الأنواع الثلاثة ، ألا وهو النوع الثاني تحديداً ، وهو ( مايتصف به من قول حسن وفعل سيء ) ،

هذا النوع كيف تكون خطورته ؟ دائما في البداية لتعامله مع الآخرين بأقوال طيبة ، يستحوذ بها على مشاعرهم ويحرك سكونها ، فيلقى محبتهم ، ويسيطر على كل من ، قلب الشخص وعقله ، فقلبه يجعله يحبه ويتعلق به ولايرى في الكون غيره صادقاً ، وعقله ليصبح هو مصدراً يرجع إليه لأخذ الرأي والمشورة عند الإقدام في تصرف معين أو فعل ينوي الشخص القيام به ،

وهذا النوع من البشر يتمتع بالذكاء الذي يختلف ويتفوق فيه غن غيره ، فهو يقوم أولا بدراسة سلوكيات ضحيته ، يرى منها مواضع ضعفها وقوتها ، ليتخذ من نقاط ضعفه بداية يبدأ منها بالهجوم عليه ، لكن كل ذلك لم يأتي إلا بعد أن يضع الشخص المستهدف كل ثقته به ، فلا يستطيع التفكير بدونه ولايفعل شيئاَ قبل أن يعود إليه ويبارك مايقوم به ليجعله أكثر ثقة به في البداية ، وكل مايأمر به هذا الشخص يكون في نظره هو الثواب ولاغيره ،

وعلينا أن نعلم أن هذا النوع من البشر قد يكون على قدر كبير من التدين أو على قدر كبير من العلم والدرجات العلمية ، والتي تجعل مهمته في الإقناع أكثر سهولة ، ولنا في الحياة أمثلة كثيرة يحكيها لنا الواقع وليس سرداً من الخيال ،

شيخا يراه الناس أنه على تدين ويوحي لمريض أنه يعالج بالقرآن ، (هذا فعل حسن ) كمان يبدو لنا ، ولكن تعالى معي ماذا أراد وماكان من هدفه ، لم يكن المريض ذكر لكنها أنثى أصابها نوعا من المس ( كما يدعي بقوله لمن حوله ولأمها تحديداً ) لتسأله الأم بماذا تعاني ابنتي ؟ ليرد الشيخ قائلا : إنها تعاني من جن يسكن جسدها ، ولاسبيل لخروجه كما طلب مني سوى أن أجامعك مجامعة الزوج لزوجته ، انظر للقول في بدايه العلاج ، وماكان لفعله ، حيث كان ظاهراً أنه حسن القول بقصد علاج الإبنة المريضة وانظر لنوايا الفعل إنه كان قاصداً فعلا سيئاً مقارنة بقوله الحسن ،

ومثال آخر لشاب يسير بأحد الشوارع ويرى أحد الفتيات عائدة في وقت متأخر ليلا ويراها تسلك أمامه خائفة من هذا الشارع المظلم، فينادي عليها لحظة أختي انتظري سأقوم بمصاحبتك وتوصيلك بسلام لمنزلك عبوراً من هذا الشارع ال مظلم ( نعم قول حسن ) وبعد أن يمضي قليلا في وسط الظلام يقوم بإغتصابها وقد يقتلها لمجرد أنها فقط صرخت وخوفاً من أن يفتضح أمره فيقتله من يراه لفعلته ( فعل سيء قام به )

نرى الكثير ممن هم حولنا في حياتنا اليومية من أمثال هؤلاء البشر ممن يتمتعون بقول حسن وفعل سيء، وممن يتظاهرون بالتدين الظاهري ولو خلو بأنفسهم لانتهكوا ماحرم الله واغضبوه بأفعلاهم ، نرى الكثير ممن نظنهم على خلق حميد فنثق بهم لكن ثقتنا كانت لمجرد أننا كنا نظن أن الماء سيبقى في الغرابيل المثقوبة أو أنه يبقى بين أصابعنا لفترات طويلة ، لكن ضاعت ثقتنا بعد لحظات ومعها خيبات الأمل لقولهم الصادق الذي سبق أفعالهم السيئة ، فثبتت باليقين والضرورة سوء نيتهم ، ليصبح كل من وقع في شباكهم فريسة تحطمت فيها قواها وهدمت معالمها الإنسانية ، فتبقى بين البشر مكسورة لاتستطيع أن تواجه غيرها ، بائسة يائسة من البفاء على قيد الحياة لفترة طويلة بنفس عزيمتها التي كانت عليها بالماضي القريب ،

علينا أن لانصدق القول ، فالأقوال كثيرة وسهلة ولاتكلفنا من الكلمات سوى أن نختار جميلها ليكون عبارات أجمل ، لكن تبقى الأفعال لتجعلنا نصدق من يقول صدقا أو نكذبه ، فهناك من يرتدي ثوب المتدين ليسمع قوله ويفعل مايفعل في الخفاء أو يستبيح لنفسه أفعالا محرمة أو سيئة يفعلها مع غيره ، أو يرتدي ثوب عالم يمتلك البرهان ومن الدليل حججاً يقنع بها غيره ويبقى في النهاية منهما صنوفاّ ترى في شيطان يختفي خلف ثوب إنسان ولاحول ولاقوة إلا بالله .

الثقة مابين الصدق والإحتيال وحيل الشيطان

Loading