الحب الأسري بين الممنوع والمرغوب
بقلمي جمال القاضي
لاشك أن كل إنسان في هذه الحياه مثله مثل كل المخلوقات التي خلقها الله على هذه البسيطة من الكائنات الحية ، خلقه يمتلك غريزة طبيعية وهي حبه لأولاده مهما كان بينه وبينهم من مظاهر الغضب أو تبدو على ملامحه ملامحاً توحي بالتعصب منهم أو عليهم ، لكن هناك بعض من السلوكيات التي تعمل على الضياع الظاهري لهذا الحب وهذه العاطفه الطبيعية التي تعكس الرحمة لما يحمله في قلبه من جميل لهذه المشاعر ، وهي أننا نجد من يخفي هذه المشاعر عن أولاده أو أحد منهم ثم تبدو عليه ملامح اللهفة والإشتياق إذا ماكان أحدهم بعيدا عنه ،
والسؤال لماذا هذا السلوك العجيب من الأب تجاه أولاده من الإخفاء المتعمد لهذه المشاعر ؟ ولماذا تتعامل الأم بعنف مع إبنتها ؟
تعددت الإجابات واختلفت بإختلاف وجهات النظر للآباء ، فهناك من يرى في إنه لو أبدى لإبنه مشاعر حبه له ، فإن ذلك في نظره قد يفسده ويفسد رجولته التي يتصور أنها حيث يجب أن يمتلك قلباً ميتاً وكل مافيه هو قسوة لكل مشاعر الحب حتى يستطيع أن يتعامل مع المجتمع القاسي بمن فيه بنفس قسوته ،
وهناك منهم من يرى أن الإفصاح عن هذه المشاعر لأبنائه سواء كانوا ذكوراًً أو إناثاً أن مع هذا الإفصاح مفسدة للمكانة التي وضعها ورسمها الأب لنفسه داخل الأسرة ، مما قد يضيع هيبته بهذا الإفصاح عن المشاعر ،
مثل هذا مايكون لمعاملة الأم لإبنتها ، فقد تقسوا ظنا منها أن مع هذه القسوة دروساً يجب أن تتعلمها الإبنة ، ومنها أن تصبح قادرة على تحمل المسؤليات بعد زواجها ،
وعجبا هل هذه الدروس كانت لاتستطيع أن تتعلمها إلا مع هذه القسوة وهذا العنف ؟ هل سيدتي قمتي بتجريب أساليباً آخرى وتحققتي من فشل نتيجتها ؟
حتما فإن الجواب لا ، لكن هذه هي التي تربت من قبل عليها ، فكيف يعطي مدرسا فقد التعلم وأسلوبه ؟
لكننا توارثنا هذه الموروثات الخاطئة وصارت في نظر بعضاً إن لم يكن جميعنا هي الأصوب على الإطلاق ، فصرنا في نظر أولادنا مابين أعداء لهم ، يبدو عليهم سلوك الإلتزام حين نتواجد بينهم ، خوفا من العقاب رغم محبتنا لهم ، وبين عشوائية لسلوكهم حين نتوارى عنهم ،
وكأن عصا القسوة والجفاء هي الأصوب ولاغيرها !
ولكن لو نظرنا وتعمقنا في النسيج المجتمعي المتداخل ، وقمنا بالمقارنة بين أب وأم يتعمدان إخفاء مشاعرهما من الحب عن أولادهم بغيرهما من أب وأم قد جعل الترابط بين الأسرة مبني على الصراحة والمصداقية ، لوجدنا أن معظم مشاكل هذا المجتمع كانت من تلك الأسر التي تتعامل بعنف مع أبنائهم ولم يدرك أحد أفراد الأسرة أو يشعر ولو شعوراً كاذباً بما في قلب والده أو الدته من محبة لهم ، لأنهما في حالة إخفاء دائما عنهم في حالة حضور الأولاد ، وفي نشاط وإفصاح لهذا الحب حين غياب هؤلاء الأولاد ، عجبا إنه لأمر يثير الدهشة والحيرة !
وفي المقابل سنرى تلك المظاهر الصحية في التعامل بين كل أفراد الأسرة التي جعل فيها الأب من كل أبنائه أصدقاء له ، وكذلك الأم من كل أفراد أسرتها أصدقاءً لها ، وبالتالي قد ذابت بينها وبين بناتها فوارق وفواصل الخجل ، فكانت إبنتها إبنة وصديقه في ذات الوقت والحال ، ليحكي كل صديق لصديقه داخل هذه الأسرة عن مشاكله ويجتمعوا جميعا على حل لمشاكلهم ، مهما كانت مستعصية عليهم .
إن الإفصاح عن مشاعر الحب وعدم إخفائها عن أبنائنا وبناتنا هو أحد الخيوط التي تربط القلوب ببعضها داخل الأسرة الواحدة ، فهذا الحب هو الوقود الذي يجعل الأسرة تستمر وتشعر دائما بالإستقرار ، فإذا كان من الواجب على أولادنا الإحترام والتوقير والإحسان ، فمن حقهم علينا أن نحبهم وأن يشعروا بهذا الحب ، وذلك تجنبا للوقوع في محظورات الشك التي تسوق بضعاف النفوس منهم وتسولات شياطينهم إلى الإنتحار ظناً بأننا لم نحبهم .
علينا أن نتجنب في تربيتنا لهم أسلوب اللوم والعتاب المتكرر لمجرد فشلهم في موقف أو مجموعة من المواقف ، ويجب علينا أيضا أن نعلم يقيناً بأن كل مكتوب كتبه الله علينا أو عليهم هو قدر محتوم لايغيره عتاباً ولا يحبسه لوماً أو عنفاً كان منا مع العتاب ،
وأخيرا :
إن أولادنا هم تلك الثمار التي كم جاهدنا وقاتلنا في هذه الحياة لنحصدها ، فعلينا أن نجعل الحلو في مذاقها ، كان بكل جميل كنا نقدمه لهم ، فكن أنت وأنا وغيرنا ممن ينتقي البذر الذي ينبت على أطرافه الثمر ، واجعل مشاعر الحب هي التي تجمع الجميع على مائدة التحاور والتي يقدم في أطباقها صنوفاً مختلفة من مشاعر يزينها الخلق ويسكنها الحب ،وتشتهي تواجدها الروح الطيبة ، نقطف بعدها ثماراً من أولاد نفتخر بإنجابهم ، رافعين رؤوسنا وسط المجمتع قائلين نحن من أنجب هؤلاء .