الرحيل الأخير ” رحيل بلا وداع “
بقلم : زينب مدكور
حينما نتكلم عن الفقد والبعد والهجر والنسيان والألم والظلم والغدر والخداع والخيانة والحرمان . كلها كلمات تسبب التعاسة والحزن والأسى لكل من يُصاب بشعور هذه الكلمات ومدى صعوبتها علي النفس .
ومع هذا كله ومع كل هذا الشعور الذي يميت من الوجع أحيانا ولكن هناك ما هو أقوي من وجع تلك الكلمات وهو وجع الرحيل . رحيل أحدهم وخاصة عند التفكير مجرد التفكير .
فعندما يفكر أحدنا بفقد الآخر مهما كانت درجة قرابته ، مجرد التفكير يُشعرنا بكل تلك الكلمات جميعا فلقد اجتمعت تلك الكلمات جميعها بوجعها تحت كلمة واحدة وهي الرحيل
وفي مقالي هذا سوف لا أتحدث بالكلمات والمعاني والمفاهيم التي نفهمها ونستوعبها جميعنا ولكن ستتحدث القلوب وتنبض العيون وتتجيش المشاعر .
سأبدأها بالنظر في العيون
نظرت إلى عينيه ودموع في عيني ، وجدت في عينيه ألم الفراق الذي لم يرد أن يخبرني عنه.
جلست في مقعده منتظرًا أن يعانقني بعيونه ، لكن عوضًا عن ذلك عانقتني دموعه حتى غمرني قلبي برؤيتها تنزف ، لا أعرف لماذا هذا الصمت ولماذا هذه الدموع وعندما تحدثت لأعرف سر هذه الدموع وضع يده على فمي وعيناه لا تزال تذرف الدموع ولا تزال تلك العيون تنظر إلي لتخبرني ، ماذا لو آتانا الرحيل . عندما سمعت هذه الكلمات ، شعرت كما لو أن الظلام قد حل في كل أنفاسي ، كما لو أن كل أجزاء جسدي قد أصبحت ليلا. ففي لحظة واحدة عندما سمعت تلك الكلمة عجز اللسان عن الكلام وبدأت عروقي تشعر وكأن شيئًا ما يحبسها بشدة حتى شعرت بالغثيان وكأن أنفاسي مقطوعة ، هل هذا الرحيل ؟ يترك هذا الشعور والألم فينا حتى يقيد أنفاسنا .
الرحيل موجع بكل معانيه ولكن أكثرهم وجع هو رحيل الموت الذي لا يأتي بعده شئ سوى هذا الألم والوجع الدائم وفقد قطعة من القلب ، فكم من أحباب فقدناهم بالرحيل ولا زالوا داخلنا يتنفسون .
فإن الرحيل بقدر وجعه وألمه الذي لا يختفي ابدا من داخل النفس ولكنه من اختبارات الله لنا فى الدنيا
الرحيل هو الموت
الرحيل هو البعد
الرحيل هو الفقد
الرحيل هو الهجر
الرحيل هو النسيان
الرحيل هو الوجع الذي يأتي منه هذه المعاني ، الرحيل هو هذا الوجع القاسي المؤلم
إن فقدان شخص تحبه هو أصعب شيء في العالم يمكن التعامل معه. إنه نوع من الألم الذي تشعر به جسديًا في جميع أنحاء جسمك . إنها المعاناة الأسوأ من نوعها .
وما يجعل الأمور أسوأ هو أن لا أحد يفهم ما تشعر به .
ففي الأسابيع والأشهر القليلة الأولى من رحيل من تحب سواء أقارب أو أصدقاء يجتمع الناس حولك ، يبكون معك ، يستمعون إلى قصصك ، يحتضنونها .
ولكن بعد فترة تخف الحشود والجموع من حولك . يبدو أن الناس يعودون إلى حياتهم الطبيعية ويتوقعون أن تفعل الشيء نفسه وتعود لحياة طبيعية . تحصل على أول طعم حقيقي لك ولوحدك في حزن خلال هذه الأيام الأولى
وفي العام الذي تستعد فيه لنفسك ومع توالى الأيام تتذكر يوميا ومنذ ذلك الحين أنه مات من تحب . ثم تبدأ المعاناة الحقيقية حيث عليك أن تدرك أنه عليك الاستمرار في فعل ذلك . والبقاء على قيد الحياة فلم تكن ذكرى كل تلك الأحداث من حياتك سوى البداية وعليك بطريقة أو بأخرى الاستمرار.
ولهذا السبب لا أحد يستطيع أن يخبرك كيف تتعامل مع حزنك
فالرحيل والبكاء كل مرة على من نحب هذا يتيح للعالم معرفة أن شخصًا ما غاليًا قد تركنا وأنه لا يزال مهمًا وهذه طريقة لتكريم من هم في حياتك وإخبارهم ماذا أنت فقدت .
وهذا يعني أن حتي الرحيل يعلمنا الود والرحمة ومعني أن تفقد عزيز ويعلمنا معني الترابط وعدم الهجر والبُعد وأننا مهما وصلنا من بُعد واختلافات ففي النهاية يجمعنا الرحيل .
وأخيرا فان البعض منا يتوق بأن يكون الرحيل رحلة ومنها سيعود من نشتاق إليهم ولكن الرحيل هو النهاية لكل من يرحل من حياتنا سواء بموت أو ببعد وفراق مع ألم ووجع فالرحيل رحلة ونهاية طريق بين الراحلون الى الموت والراحلون عنهم ببقائهم فى الحياة لأنه يكون الرحيل الأخير لنا منهم ومنهم لنا.
الرحيل الأخير ” رحيل بلا وداع “