كتب _ عبدالرحمن شاهين

في فجر الثالث عشر من يونيو 2025، شهد الشرق الأوسط لحظة فاصلة في تاريخه الحديث، عندما اخترقت الطائرات الإسرائيلية الأجواء الإيرانية في عملية عسكرية سُمّيت “عملية الأسد الصاعد”. لم تكن هذه مجرد غارة جوية عابرة، بل كانت ضربة استراتيجية مدروسة بدقة، استهدفت البنية التحتية النووية الإيرانية ومصانع الصواريخ الباليستية، بالإضافة إلى قادة عسكريين وعلماء نوويين، من بينهم قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي ورئيس هيئة الأركان محمد باقري.

هذا الهجوم المفاجئ، الذي نفذت بعض طائراته -حسب التقارير- من داخل الأراضي الإيرانية، لم يظهر فقط ضعف المنظومة الدفاعية الإيرانية، بل وضع المنطقة على حافة تغيير استراتيجي قد يعيد تشكيل القوى الإقليمية بشكل كامل. لطالما قدمت إيران نفسها كقوة إقليمية رئيسية تمتلك “قدرات ردع استراتيجية” و”نظم دفاع جوي متطورة”، لكن الهجوم الإسرائيلي الأخير كشف عن الفجوة الكبيرة بين الخطاب السياسي الإيراني المبالغ فيه والواقع العسكري.

كيف لقوة تدعي امتلاكها نظم “باور-373” المتطورة أن تفشل في التصدي لهجمات جوية تُنفذ من داخل أراضيها؟ الجواب يكمن في التفوق النوعي الساحق للقوة الجوية الإسرائيلية التي تعتمد على مقاتلات الجيل الخامس مثل F-35، في حين أن القوة الجوية الإيرانية تعتمد على طائرات قديمة من زمن الشاه في أغلبها. الأمر الأكثر إلحاحًا هو احتمال وجود اختراق مخابراتي عميق للمجتمع الإيراني، أو ربما وجود قواعد عسكرية إسرائيلية سرية على أراضيها.

كيف يمكن لطائرات إسرائيلية أن تقلع من داخل إيران دون علم السلطات؟ هذا السؤال يشير إلى اثنين من الاحتمالات الخطيرة: إما وجود اختراق استخباراتي غير مسبوق، أو تقصير كبير في عمل الأجهزة الأمنية الإيرانية، وفي كلا الحالتين، فإن هذا يهدد مصداقية النظام الإيراني ويقوض شرعيته الداخلية، في ظل زيادة السخط الشعبي بسبب الأزمات الاقتصادية.

من جهة أخرى، أثبتت الردود الإيرانية اللاحقة أن “الحدود الآمنة” و”العمق الاستراتيجي” لكيان الاحتلال الإسرائيلي لم تعد سوى أوهام تروّجها القيادة الإسرائيلية. فقد أظهرت الصواريخ الإيرانية التي وصلت إلى تل أبيب وأنظمة الدفاع مثل “القبة الحديدية” التي لم تنجح في اعتراضها، ضعف النظرية العسكرية الإسرائيلية القائمة على مفهوم الردع. كما أن هذه الضربات لم تأتي من فراغ، بل هي جزء من سلسلة ردود تُظهر أن الكيان لم يعد بمأمن من أي هجوم محتمل، مما حوله إلى “دولة محاصرة”.

قدمت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها دعمًا عسكريًا وتكنولوجيًا إلى الكيان الصهيوني، لكن الحقائق المتاحة الآن تكشف أن كل أنظمة الدفاع هذه ليست سوى “فقاعات” تنفجر أمام أول اختبار حقيقي. فالصواريخ التي أصابت تل أبيب لم تُفشلها القواعد الأمريكية ولا أنظمة “باتريوت”، بل الأشد إيلامًا هو أن واشنطن، رغم كل تصريحاتها، لم تستطع تقديم أي دعم فعلي بينما النيران تشتعل في “عاصمة الكيان”.

الوضع في المنطقة الآن مفتوح على جميع الاحتمالات، حيث أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن العملية “ستستمر لأيام عديدة”، وتهديدات إيران بـ”رد انتقامي مؤلم”، تشير إلى أننا قد نكون على أعتاب مواجهة خطيرة. الموقف الدولي يبدو منقسماً، فيما أدانت روسيا الهجوم الإسرائيلي، بينما يميل الموقف الأمريكي والأوروبي إلى التأييد. أما الدول العربية، فقد اكتفت بإدانة الهجوم دون أي التزام عملي لدعم إيران، مما يعكس الانقسامات داخل الموقف العربي.

في هذا السياق، تبرز تقارير عن تنسيق عسكري واستخباراتي بين روسيا والصين وباكستان لمواجهة التفوق الأمريكي التكنولوجي، متعلقة بطائرات F-35. هذا التعاون قد يغير ميزان القوى في المنطقة ويحد من التفوق الجوي الإسرائيلي. الشرق الأوسط يقف اليوم على شفا الهاوية، إذ أن إسرائيل قد تقدم على مغامرات جديدة لاستعادة “ردعها المزعوم”، في حين أن إيران قد تلجأ إلى خيارات غير تقليدية.

في النهاية، يبدو أن الشرق الأوسط أمام مفترق طرق تاريخي. إما أن تؤدي هذه المواجهة إلى إعادة هيكلة جذرية للقوى في المنطقة، أو تدفع الأطراف للبحث عن تسويات جديدة تتماشى مع التحولات الاستراتيجية. والسؤال الأهم: من سيدفع ثمن هذه المغامرات العسكرية؟ والإجابة المؤلمة تكمن في الصور المروعة للأطفال الضحايا تحت الأنقاض، الذين أصبحوا مجرد أرقام في معادلة صراع مستمر.

Loading

By عبد الرحمن شاهين

مدير الموقع الإلكتروني لجريدة الأوسط العالمية نيوز مقدم برنامج اِلإشارة خضراء على راديو عبش حياتك المنسق الإعلامي للتعليم الفني