محمد حسين

يحتفل المصريون ببداية العام الهجري الجديد، اليوم الأحد، وذلك بعد أن تحقق لدار الإفتاء عدم ثبوت رؤية هلال شهر المحرم، ما يعني أن أمس السبت هو المتتم لشهر ذي الحجة وآخر أيام السنة الهجرية الحالية.

-متى وضع التقويم الهجري؟

وتعتبر السنة التي هاجر فيها النبي محمد صلٌ الله عليه وسلم من مكة إلى يثرب لينشر دعوته ويقيم دولته، هي بداية الترتيب للتقويم الهجري، لكن ذلك ليس معناه أن بداية العمل بالتقويم كانت بحياة النبي محمد، بل جاءت في وقت متأخر بعهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

فمع توسع الدولة الإسلامية وفتح البلاد، ظهرت الحاجة إلى وجود ترتيب سنوات، وذُكِر له أمر التاريخ، فقال لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعوا للناس شيئًا يعرفونه، فقال بعضهم: اكتبوا على تأريخ الروم، فقيل: إنهم يكتبون من عهد ذي القرنين، فهذا يطول، وقال بعضهم: اكتبوا على تأريخ الفرس، فقيل: إنّ الفرس كلما قام ملك طرح من كان قبله، فاجتمع رأيهم على أن ينظروا: كمْ أقام رسول الله بالمدينة؟ فوجدوه 10 سنين، فكُتب التأريخ من هجرة رسول الله، وذلك كما ذكر الطبري بكتابه “تاريخ الرسل والملوك”.

ولم ينته الأمر عند ذلك، فمع الاتفاق على سنة بداية التقويم، كان على المسلمين أن يختاروا شهرًا يبدأون به هذا التقويم، وروى محمد بن سيرين ما جاء بتلك الاقتراحات، إذ قام رجل إلى عمر بن الخطاب فقال: أرِّخوا، فقال عمر ما أرِّخوا؟ قال: شيء تفعله الأعاجم، يكتبون في شهر كذا من سنة كذا، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حسن، فأرخ. فقالوا: من أيِّ الشهور نبدأ؟ فقالوا: رمضان، ثم قالوا: المحرم، فهو منصرف الناس عن حجِّهم، وهو شهرٌ حرام، فأجمعوا على المحرم، وكانت تلك بداية التقويم الذي لا زال قائما ليومنا هذا.

– مناسبة جليلة

الاحتفال بذكرى الهجرة من أعياد الإسلام، فقد روى الفاكهي أن عمر بن الخطاب كان يصيح في أهل مكة ويقول: “يا أهل مكة أوقدوا ليلة هلال المحرم فأوضحوا فجاجكم لحاج بيت الله، واحرسوهم ليلة هلال المحرم حتى يصبحوا”.‏ ‫

-نقود الغرة

وهو من أعياد مصر الإسلامية التي وضع أسسها وقواعدها خلفاء الدولة الفاطمية منذ أكثر من ألف عام، تلك الدولة التي كانت أيام حكمها مواسم وأعياداً بما ابتكروه من حفلات جمعت بين جلال الخلافة وطرب الشعب وكثير من الحفلات والتقاليد الباقية بمصر حتى الآن مدين بظهوره إلى هذه الدولة. ‏ ‫

و‏كان خلفاء هذه الدولة يحتفلون بموسم رأس السنة “ليلة المحرم”، وبموسم أول العام “أول المحرم”، ويتخذون أهبة الاستعداد لهذين الاحتفالين من العشر الأخير من شهر ذي الحجة فتصدر التعليمات إلى رؤساء خزائن الأسلحة والمجوهرات والملابس، والركائب والموسيقى بإعداد ما يلزم للاحتفال بهذا اليوم.

وفي الوقت نفسه تكون دار الضرب جارية سك النقود بتاريخ العام الجديد “وتعرف بنقود الغرة” لتوزيعها في أول العام، وفقًا لما ورد بكتاب:”العمارة والآثار والعادات في عهد الدولة الفاطمية” لحسن عبد الوهاب.

-تحضيرات الاحتفال

ويشير الكتاب إلى التحضيرات للاحتفال بالعام الجديد، ففي اليوم الأخير من السنة يستعرض الخليفة تجربة الاحتفال فيجلس في شرفة القصر الكبير ويستعرض موكب الاحتفال بكامل هيئته ويسمى يوم عرض الخيل، ثم يستقبل كبار رجال الدولة والعلماء والقضاء فينفتح الحفل بتلاوة آيات الذكر الحكيم كما يختم بتلاوته.

فإذا صلى الخليفة الظهر بعد انفضاض هذا الاستعراض تعرض عليه الملابس والجواهر التي يلبسها يوم الاحتفال وتكون عادة بيضاء موشحة مع شدة الوقار والدرة اليتيمة وما حولها من جواهر وياقوت ثم يذاع على سكان مصر والقاهرة برنامج مرور الموكب منذ خروجه من القصر إلى عودته إليه، فلا يصبح أول العام إلا إذا اجتمع أهل مصر والقاهرة حكومة وشعباً للمشاركة في هذا الاحتفال.

– صدقات وولائم

فإذا حلت ليلة رأس السنة تكون مطابخ القصر أعدت عدداً كبيراً من الخراف المشوية من جفان اللبن والخبز وأنواع الحلوى لتوزيعها كما توزع الصدقات على الفقراء فيعم الخير سائر الناس من سكان مصر والقاهرة.

-موكب الاحتفال

في هذا اليوم يخرج الخليفة من القصر راكباً بملابسه وجواهره ومظلته وأعلامه وحوله خاصته وكبار موظفي الدولة وقادة الجيش وحاملو المظلة، فإذا أهل من باب القصر نفخ جندي في بوق من ذهب معوج الرأس فتليه بقية الأبواق إيذاناً بتحرك الموكب، وتنشر المظلة ويسير الموكب من داخل القصر فيخرج الخليفة راكباً فرسه ماشية على بسط خشية أن تنزلق علي الرخام، ويسير الموكب وحول الخليفة الأعلام الحريرية وقد كتب عليها “نصر من الله وفتح قريب”، تتقدمه الموسيقى والجنود ما بين مشاة وركبان على خيولهم المطهمة بأنواع الحرير الملون والمزخرف وأطواق الذهب والفضة ويشترك في هذا الاحتفال رجال الأسطول.

-مظاهر شعبية

في هذا اليوم يشترك تجار وسكان القاهرة ومصر في هذا الاحتفال فيزينون حوانيتهم ودورهم ويصطفون على جانبي طريق مرور الموكب.
ويتولى الإشراف على تنسيق هذا الموكب ومروره وإلى القاهرة، ويظل الموكب سائراً من القصر إلى باب النصر ثم ينعطف مع سور القاهرة إلى باب الفتوح فيدخل منه قاصداً القصر، حيث يكون مقدم المهرجان مصطفاً على جانبي الطريق فيمر الخليفة بينهم حتى يدخل القصر فيوزع نقود الغرة المضروبة بتاريخ العام الجديد من دنانير ورباعيات وقراريط، وتبلغ نحو 3 آلاف دينار.

ثم توزع الأطعمة ما بين خراف مشوية وزبادي طعام وقوالب حلوى وخبز وتماثيل حلوى وأرز بلبن هذا عدا الموائد التي تمد بالقصر فيعم الخير والصدقات جميع الناس، وقد ظل الاحتفال بذكرى الهجرة موضع العناية من الحكومات المتعاقبة على حكم مصر، وفيه تعطل مصالح الحكومة ومعاهدها وتضاء المنارات وتقام الحفلات وتتبادل التهاني.

Loading

By عبد الرحمن شاهين

مدير الموقع الإلكتروني لجريدة الأوسط العالمية نيوز مقدم برنامج اِلإشارة خضراء على راديو عبش حياتك المنسق الإعلامي للتعليم الفني