فى الأول من أكتوبر، يحتفي العالم بمشروب يتجاوز كونه مجرد مشروب يُحتسى، بل يُعاش بكل الحواس. فالقهوة ليست سوى انطلاقة لصباح جديد، بل تمثل طقسًا يوميًا دافئًا، مليئًا بالحكايات واللحظات التي تختبئ بين رشفاته. إنها لحظة من الهدوء، ونسمة خاصّة من المزاج، ورفيقة لجلسات طويلة لا تُملّ، تعزف موسيقى صامتة في القلب قبل الأذن. في هذا اليوم، لا نحتفل بسحر الرائحة وطعم القهوة فحسب، بل نفتح صفحات سرد قصصي طويل يشبه كل من يشربها، حيث تناجي تفاصيل من جعل من فنجانه مرآة ليومه ومزاجه وروحه.

تاريخ وتنوع القهوة:

يُقال إن هناك قهوة تُحبك وأخرى تَحبها.. فتبدأ القصة حين اكتشفت حبوب القهوة حيوية أغنام راعٍ في إثيوبيا، بعدما وجدت الأغنام نشاطًا بعد تناول تلك الثمار الحمراء. وعندما تذوقها الراعي نفسه، انتابته نفس حيوية الأغنام. ومن هنا بدأت رحلة هذه الحبة حتى انتشرت عبر اليمن إلى مختلف أنحاء العالم، لتصبح جزءًا من الحياة اليومية في كل مكان. لقد تحولت حبة القهوة إلى مزاج وتجارية كبيرة توقظ من يتذوقها ليتعرف على معنى العشق في فنجان.

مع مرور الزمن، تطورت أساليب تحضير القهوة وتنوعت نكهاتها وفقًا لتنوع الثقافات؛ فمن القهوة العربية المُرّة المعطرة بالهيل والزعفران، إلى الإيطالية الخفيفة، والتركية الكثيفة المذاق، والأمريكية السريعة، وغيرها من الأنواع التي تعكس ثقافات مختلفة. إن كل نوع من القهوة يُصنع كما تُروى الحكايات، مما أضفى عليها طابعًا عالميًا متميزًا. ففي كل فنجان قهوة، يوجد عالم يتجاوز ما تراه العين؛ إذا تم تذوقها ببطء، تُعبر عن أسرارها كرفيق صامت يصغي للنفس.

القهوة… دفء الطقس وفوائد للجسد:

مع كل يوم، تتحول عادة تناول القهوة إلى طقس يومي يحرص البعض على تنظيمه. ومع مرور الوقت، اكتشفنا أنها تجلب توازنًا بين المتعة والصحة، حيث تحتوي على مضادات أكسدة تقوي المناعة وتأخر الشيخوخة. كما أن الكافيين الموجود بها يحفز الجهاز العصبي، مما يزيد من التركيز والفاعلية. وقد أظهرت الأبحاث الحديثة أن شرب القهوة بانتظام يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بأمراض مثل السكري من النوع الثاني ومرض الزهايمر. وتُظهر الدراسات أيضًا تأثيرها الإيجابي على المزاج، حيث تساعد على تقليل التوتر والاكتئاب إذا تم تناولها بشكل معتدل.

حتى القلب، الذي يُعتقد عادة أنه لا يحب القهوة، أثبتت الدراسات أنه إذا تم تناولها بكميات مناسبة، فقد تحدّ من خطر الأمراض القلبية والسكتات الدماغية. وكما هو الحال مع كل شيء جميل، يجب الاعتدال؛ فالإفراط قد يؤدي إلى آثار سلبية.

القهوة في الشعر والأدب… رمز للحضور الصامت:

لم تكن القهوة مشروبًا عابرًا في الأدب، بل أصبحت مصدر إلهام للشعراء والأدباء، حيث صارت رمزًا للحب والحنين. وقد كتب عنها كبار الشعراء، حيث عُبّر عنها بعبارات شعرية تعكس اللحظات والأحاسيس. يُقال عن محمود درويش: “القهوة لا تُشرب على عجل، القهوة أخت الوقت”. أما صلاح جاهين، فقد ظهرت القهوة في أعماله كرمز للذكريات واللحظات الجميلة والحزينة، كرفيقة تجسد المشاعر المتناقضة في صمتها.

في أدب النثر، أصبحت القهوة لغة يعبر بها الكُتّاب عن مشاعرهم، من الانتظار إلى الهدوء والمزاج الفني. إذا نظرت إلى ذلك الفنجان الصغير، ستجد فيه عالماً كبيراً من الأحاسيس والمشاعر، حيث تتناغم مع الذكريات والأفكار. ارتبطت المقاهي القديمة بالشغف والنقاشات، وتُعتبر رفيقة للكُتّاب والذكريات الجميلة، تجسد الفن والإبداع في كل مظهر. فالقهوة تُذكرنا بأن الحياة لا تُشرب دفعة واحدة، وما نحبّه لا يُنسى؛ بل كل ما نحتاجه هو رشفة وسكون وقلب يستمع.

Loading

By عبد الرحمن شاهين

مدير الموقع الإلكتروني لجريدة الأوسط العالمية نيوز مقدم برنامج اِلإشارة خضراء على راديو عبش حياتك المنسق الإعلامي للتعليم الفني