كتبت: الدولة بيروكي


ولدت فرجينيا وولف ،الكاتبة الأشهر بإنجلترا في لندن عام 1882 تحت سقف عائلة يحدها الأدب والفلسفة من جهة،والفكر والثقافة من جهة أخرى،لكن صفحات حياتها التي أنهتها بنفسها،عندما أقدمت على الإنتحار كانت مليئة بين الجنون والأدب.
في رواية “السيدة دلاوي”قدمت فرجينيا عملا غير مؤلوف ،فهي من أكثر الأعمال قراءة،صدرت إبان القرن المنصرم من عام 1925،إستخدمت فيها الكاتبة ثيمة الوعي السردي،وساقت فيها معاناتها وإضطرابها النفسي،بنفس السياق  الذي عالج فيه الفيلم السينمائي “الساعات”حياة هذه الكاتبة،بلغة شاعرية وبنظرة فلسفية للحياة والإنسان.
لم تكن الكتابة عند فرجينيا وولف إلا ملامسة عميقة للمرأة بكل تفاصيلها،وغوص في دواخلها،فهي التي كتبت؛”طوال هذه القرون،لعبت النساء دور زجاج للرؤية،قادر على أن يعكس صورة الرجل ضعف حجمها الطبيعي”،كتابة تناولت فيها المرأة في المجتمع ، وكشفت للقارئ حقيقة شعورها الناتج عن كونها أنثى تكتب إنطلاقا من إحساسها،حيث قالت؛ “إننا نتعلم عبر إحساسنا”،فإستدعت مواضيع رواياتها ،لتجابه بها الواقع ،بأحداث الماضي الأليم،الذي ظل شبحا يطارد قلمها ،فطرحت قضية تعرضها للتحرش من قبل الأخ غير الشقيق لها،ومنعها من الدراسة الجامعية،ووضعية  المرأة ومستقبلها في فترة الحرب ،كل  هذا الحضور للأحداث المحيطة بها ،شكل لها مسار البحث عن الطمأنينة من خلال الكتابة ،كما في كتاب “غرفة تخص المرأ وحده”.
ففي رواية”غرفة جاكوب”كانت تكتب سيرة حياة أخيها ثوبي الذي مات بالغربة،لقيت الرواية نجاحا كبيرا،إلى جانب روايتها “الأمواج”التي قدمت فيها نهجا حداثيا للرواية الإنجليزية،إعتمدت على الحوار الذاتي للشخصيات،وإبرازا لمكنونات الإحساس المباشر للمرأة،فشكلت بذلك بداية لظهور تيار الأسلوب الشعوري للمرأة الكاتبة.
“أشعر بأنني سأصاب بالجنون مرة أخرى،وأعتقد بأنه لايمكننا أن نمر بفترة  من تلك الأوقات الرهيبة مرة أخرى،لقد بدأت أسمع أصواتا ولا أستطيع التركيز،وعليه فها أنا أفعل ما أعتقد بأنه أفضل  مايمكنني القيام به،،،لست قادرة على المقاومة بعد الأن وأدرك بأنني قد أفسد حياتك وبأنك ستحظى بحياة أفضل من دوني،أنا متأكدة من ذلك”،كتبت فرجينيا رسالة إنتحارها إلى زوجها ليونارد وولف،والتي أعلنت فيها إستسلامها لليأس   ببضع كلمات ترجمت هذه. الكاتبة مخاوفها من الإستمرار في الحياة،نتيجة ضغوط نفسية حيث تعرضت لعدة نوبات من الكآبة ومجابهة  لتطور الأمر للجنون ،إختارت الموت لتحقيق تواصلها مع القارئ،فأقدمت على الإنتحار عام 1941.
لقد قدمت فرجينيا وولف للأدب الإنجليزي ،تطويرا مهما للطابع القصصي،عبر حضور النثر الشعري،وتبني منهج مصداقي للكتابة الإنسانية،كما تقول ؛”التحول من الحياة الخارجية إلى الحياة الداخلية”،فجمعت في كتاباتها بين الإضطراب النفسي والحياة الخارجية،توالت أزماتها في التغلغل داخل أفكارها لكي ترصد بها الواقع بين الذات والأخر،فإختارت الشخصية العاطفية للبوح والإبداع في جل رواياتها،كما في رواية “إلى الفنار”،فمابين المزج بين الواقع والمتخيل ،جرت فرجينيا القارئ  لإكتشاف تلك المرأة المجهولة التي ظلت تخصها وحدها،المرتبطة بذاكرة الماضي الراغبة بإستعادته دوماعبر الذات التي تستقطب جميع كتاباتها الروائية ،وتطاردها كعمل مجنون مفروش بحطامها،يتقوقع داخل جسدها،ليحكي معاناتها لوحدها حتى أخر رمق من حياتها ،فعاشت الأدب بهاجس الجنون خوفا على الأخر  وكتابة عنه قالت ؛”الأدب مفروش بحطام من إهتمو بآراء الآخرين أكثر ممايجب”.

Loading

By عبد الرحمن شاهين

مدير الموقع الإلكتروني لجريدة الأوسط العالمية نيوز مقدم برنامج اِلإشارة خضراء على راديو عبش حياتك المنسق الإعلامي للتعليم الفني