بقلم : بسيونى أبوزيد


على غرار ثورات الربيع العربى التى خططت لها الإدارة الأمريكية لإضعاف دول الشرق الأوسط وتفتيتها والإستيلاء على ثرواتهما كى تظهر الإدارة الأمريكية بعد ذلك وكأنها المنقذ لتلك الدول أو الوسيط لحل الخلافات التى هى سبب مباشر فيها ، فالإدارة الأمريكية تلعب نفس الدور الآن مع دول الإتحاد الاوروبي مع اختلاف السيناريوهات بين ثورات الربيع العربي ومايحدث الآن فالادارة الامريكية تسعى جاهدة لتفكيك الاتحاد الأوروبي بداية بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، فالإدارة الأمريكية لا تسمح يتصاعد أى قوى أخرى فى العالم لتظل أمريكا هى المهيمنة على ثروات العالم  ، وفى هذا السياق نجحت الإدارة الأمريكية فى إشعال فتيل الحرب المشتعلة بين روسيا وأوكرانيا وذلك بالتلويح لاوكرانيا للإنضمام لحلف الناتو للحد من خطورة الدب الروس وقوته التى أظهرها فى السنوات الأخيرة لإعادة صياغة موازين القوى فى العالم وذلك بتحالف روسيا مع الصين وكوريا الشمالية وبعض دول الشرق الأوسط المؤثرة ذات المواقع الاستراتيجية المتميزة والتى تمتلك جيوش قوية ، علاوة على العلاقة القوية بين روسيا ودول الإتحاد الأوروبي وخصوصآ العلاقة الروسية الالمانية وذلك بسبب انشاء خط أنابيب الغاز الروسي “نورد ستريم 2”. بتكلفة 10 مليارات يورو وفي حالة تشغيله بطاقته الكاملة فإنه سوف يضاعف حجم تصدير الغاز المباشر من روسيا إلى ألمانيا إلى 110 مليارات متر مكعب سنويا وبناء عليه سوف تنخفض أسعار الغاز فى المانيا بنسبة 25 % ، حاولت الإدارة الروسية جاهدة إيجاد حل مع الإدارة الأوكرانية وحلف الناتو بإعطاء روسيا الضمانات الكافية بعدم دخول اوكرانيا كعضو فى حزب الناتو إلا أن الإدارة الأمريكية تعنتت مع روسيا تعنت مدروس لأنها تعلم أن روسيا لن تقبل بقوات حلف الناتو على حدودها وأنها سوف تغزو اوكرانيا وراحت أمريكا تصدر هذا المخطط لقادة دول الإتحاد الاوروبي بل وأكثر من ذلك اوهمتهم بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يكتفى بإحتلال اوكرانيا بل سيتوسع ويحتل دول الاتحاد الأوروبي دولة تلو الأخرى ، بعد رفض زعماء حلف الناتو والإدارة الأمريكية إعطاء روسيا الضمانات الكافية بعدم دخول اوكرانيا كعضو فى حلف الناتو جاء اعتراف موسكو بالمنطقتين الانفصاليتين دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا، وعلى ضوء هذا الاعتراف أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس أنه قرر تعليق التصديق على تشغيل خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2″ مع روسيا رداً على ذلك ، محذراً من عقوبات إضافية محتملة وهذا ما تريده أمريكا ونجحت فيه بدرجة كبيرة ، نورد ستريم 2” هو مشروع أنابيب لنقل الغاز الطبيعي عبر بحر البلطيق من أكبر حقول الغاز في روسيا ، إلى ألمانيا وعدد من الدول الأوروبية. فيما يبلغ طول الأنبوب الجديد حوالي 1230 كيلومتراً ، ويمر بالقرب وبشكل متوازٍ مع خط الغاز الأصلي أنابيب “نورد ستريم 1” الذي ينقل حوالي 55 مليار متر مكعب من الغاز إلى ألمانيا منذ عام 2012 ،
ولخشية أمريكا من تحقيق الدب الروسى مكاسب سياسية فى القارة العجوز بمد الغاز الروسى اليها كان لابد من وضع اسفين للوقيعة بينها وبين روسيا لوقف هذا المشروع العملاق الذى يخدم روسيا ودول الإتحاد الأوروبي ، هذا المشروع العملاق الذى اكتمل وأصبح جاهز للتشغيل وذلك بعد موافقة الهيئات التنظيمية فى المانيا ودول الاتحاد الاوروبي  ،  وكلما اقترب تشغيل مشروع الغاز الروسى كلما زادت اوكرانيا من استفزازات روسيا عن طريق أمريكا وحلف الناتو من ناحية ومحاولة ترويع قادة دول الاتحاد من اطماع الدب الروسى الذى يخطط لغزو أوروبا واحتلالها دولة تلو الأخرى لعودة الإتحاد السوفيتي من جديد هذه الورقة التى تلوح به أمريكا لقادة دول الإتحاد الاوروبي،  على الرغم أن الواقع غير ذلك وأن روسيا لم تصرح بذلك ولم تخطط له ايضآ ، تلك الفزاعة التى استخدمتها أمريكا أجلت موافقة ألمانيا على تشغيل مشروع الغاز نورد ستريم 2  حتى الآن ، وجعلت قادة الدول الأوروبية فى حيرة من أمرهم فى اتخاذ القرار المناسب بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية،  ولكن نظرآ للضغوط الكبيرة من جانب الإدارة الأمريكية على دول الاتحاد الاوروبي وافق الاتحاد الأوروبي على العقوبات الدولية على روسيا لتضييق الخناق عليها لوقف الحرب الدائرة ، ولكن مالا يعلمه الكثيرين أن العقوبات  الاقتصادية الموقعة على روسيا تعانى منها شعوب دول الإتحاد الأوروبى أشد المعاناة وتضع قادة هذه الدول فى أوضاع حرجة للغاية مع شعوبها نظرآ للإرتفاع الجنونى فى أسعار الغاز والمحروقات عمومآ علاوة على ارتفاع أسعار بعض السلع الغذائية الأساسية وايصآ اختفاء بعض السلع من الأسواق وإن وجدت تجدها بأسعار مضاعفة والتى لو استمر الحال على هذا المنوال ربما نجد ثورات الربيع الأوروبى عن قريب وهذا ما تتمناه الإدارة الأمريكية للقضاء على الاتحاد الاوروبي وتفكيكه ، وخصوصآ أن هناك دول أصبحت تغرد خارج السرب بحثآ عن مصالحها مثل المجر على سبيل المثال والتى صرح رئيسها أنه لن يوقع على حظر تصدير  الغاز أو البترول الروسى لأن المجر تستورد 85 % من مستلزماتها النفطية من روسيا ، وقال لن تدفع  الأسر المجرية فاتورة الحرب الأوكرانية وذلك حسب تصريحات رئيس جمهورية المجر  الرئيس يانوش أدير   ومن هنا يتضح لنا حالة التفكك التى باتت وشيكة والبحث عن المصالح خوفآ من غضب الشعوب وخروجها إلى الشوارع وانهيار الدول كما حدث فى ثورات الربيع العربى المشئومة .
واخيرآ  :
انا لست هنا بصدد الحديث عن مبررات للغزو الروسي فأنا ضد غزو أى دولة ذات سيادة من دولة أخرى ، ولكنى سوف اطرح عدة تساؤلات لأصحاب العقول الحكيمة :
متى يخرج القرار الأوروبى من القارة العجوز دون مراجعته من الإدارة الأمريكية قبل صدوره ؟!! والى متى ستظل القارة العجوز تقع تحت سطوة الإدارة الأمريكية والتى لا تقبل بوجود اتحاد اوروبى قوى ؟!!!
ولماذا بلع الأوروبيون الطعم الذى وضعه لهم الأمريكان للوقيعة بينهم وبين روسيا؟!!! أليس من السذاجة أن تعرض دول الاتحاد الاوروبي وخصوصآ ألمانيا مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية ومصالح شعوبها للخطر !!! من يضمن هدوء الشعوب بعد الارتفاع الجنونى للأسعار ؟!!! من يحمى الإستثمار من سطوة الحكومات مثلما حدث مع مالك نادى شيلسى الانجليزى على سبيل المثال لا الحصر ؟!!! أين من يرددون الشعارات الزائفة بأن القوانين الرياضية والرياضة عمومآ لا تخضع للحكومات ؟!!! بل تخضع لقوانين الفيفا فلم نسمع لهم صوتآ !!! ولماذا تم تأميم نادى شيلسى حتى وإن كان مالك النادى روسى الجنسية ؟!! ألم تكن أمريكا قادرة على إعطاء ضمان مكتوب لروسيا بعدم انضمام اوكرانيا لحلف الناتو والاعتراف بجزيرة القرم ؟!!! ألم يكن هذا الخيار اسهل من الحرب وقتل الآلاف بل الملايين إذا استمرت الحرب وتوسعت رقعتها ؟!!! إلى متى سيظل الكيل بمكيالين من الولايات المتحدة الأمريكية ففلسطين محتلة منذ أكثر من سبعين عامآ واطفال فلسطين قتلوا ومازالوا يقتلون كل يوم ولم يتحرك لهم ساكن ؟!!! وكذلك سوريا والعراق وليبيا واليمن وافغانستان إلى متى يستظل هذا الاستخفاف بعقول الناس وخصوصآ محدودى الفكر بشعارات كاذبة ومؤسسات وهمية لحقوق الإنسان كى يستخدموها كورقة ضغط على الحكومات العربية عمومآ والمصرية خصوصآ ؟!! واخيرآ يأتى السؤال الأهم من يضمن للإنسان حقه فى الحياة ؟!!! أم أن حياة الإنسان  اصبحت ورقة ضغط ايضآ ليتلاعبون بها وقت اللزوم ؟!!!

Loading