واشنطن – د ب أ
نشر في: الثلاثاء 26 سبتمبر 2023 – 11:18 ص | آخر تحديث: الثلاثاء 26 سبتمبر 2023 – 11:18 ص

رغم الخطوات التي اتخذتها واشنطن وبكين لاستئناف الاتصالات الطبيعية والتي تم تعليقها بدرجة كبيرة لعدة شهور بعد حادث اختراق “بالون تجسس” صيني أجواء الولايات المتحدة في نوفمبر الماضي، يبدو من الصعب توقع أي سيناريو لتحسن حقيقي في العلاقات الثنائية بحسب التحليل الذي نشره المحلل الاستراتيجي الأمريكي بول هير في مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية. وترجع هذه الصعوبة إلى القوى الهيكلية والتاريخية التي تدفع الطرفين في اتجاه التنافس الاستراتيجي، وديناميكيات الخصومة في تفاعلاتهما، والسياسات الداخلية لدى الجانبين والتي تحبط آفاق التفاهم والتوافق بينهما.

ويقول هير الباحث البارز غير المقيم في مجلس شيكاغو للشئون العالمية، إن هذه القوة تدفع الجانبين لمواصلة المواقف العدائية المتبادلة، مما يؤدي إلى تأجيج التوترات والتنافس وعرقلة التقدم نحو الوفاق، رغم حديثهما الحماسي عن الرغبة في إعادة العلاقات إلى المسار الصحيح.

ويعتبر السياق التاريخي، عنصرا رئيسيا في سيناريو العداء المتزايد بين الصين والولايات المتحدة. فالأخيرة أمضت أغلب السنوات الخمس والسبعين الماضية كقوة عظمى مسيطرة في العالم واعتادت على اعتبار هذه المكانة أمرا مفروغا منها. لكن بعد نهاية الحرب الباردة وصعود القوة الاقتصادية للصين، بدأت الولايات المتحدة تشعر بالقلق على مكانتها الدولية. وتواصل واشنطن تأكيد تفوقها كقوة عالمية مسيطرة خاصة، في مواجهة تراكم الثروة والقوة والنفوذ لدى الصين. وقالت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في استراتيجية الأمن القومي إن “الولايات المتحدة مازالت القوة الرائدة في العالم”.

في المقابل أصبحت الصين المستفيد الأساسي من التحولات التاريخية لتوازن القوة في العالم منذ نهاية الحرب الباردة، رغم أنها مازالت أقل من الولايات المتحدة من حيث شروط القوة المطلقة. كما تسعى الصين إلى نقل العالم لمرحلة ما بعد الهيمنة الأمريكية. وقال وزير خارجية سابق للصين في تبادل للتصريحات رفيعة المستوى بين إدارة الرئيس بايدن والمسؤولين الصينيين إن “الولايات المتحدة غير مؤهلة لكي تتحدث إلى الصين من موقع قوة”.

وهذا هو أساس التنافس الاستراتيجي والمنافسة القوية بين الصين والولايات المتحدة، وبالتالي يمثل خلفية للتفاعلات الدبلوماسية بين بكين وواشنطن.

ويزداد الأمر سوءا بسبب ثغرات الأمن الداخلي في كل من الصين والولايات المتحدة، والتي تعزز وربما تضخم شعور كل طرف بخطورة الطرف الآخر عليه. وفي الولايات المتحدة، يتزايد الشعور بالهشاشة الوطنية نتيجة الاستقطاب السياسي وضعف الأداء والتوترات العرقية والعنصرية وتآكل التنافسية الاقتصادية، مما يفاقم التهديد الصيني. وفي الصين أدى التباطؤ الاقتصادي وما يصاحبه من مخاطر حدوث اضطرابات داخلية إلى زيادة مخاوف قادة الحزب الشيوعي الحاكم بشأن اضطراب نظام الحكم والتعرض لعمليات تخريب خارجية وبخاصة من جانب الولايات المتحدة. ويتزايد حديث كل من واشنطن وبكين حاليا عن تزايد المخاطر التي تهدد “الأمن القومي” مع توسيع مفهومهما له واحتياجاتهما للمحافظة عليه. وقد أصبح من المعتاد الآن أن ينظر كل من بكين وواشنطن إلى الطرف الآخر باعتباره “تهديدا وجوديا” له.

وفي ظل وجود هذه العقليات والشكوك المتبادلة، من غير المستغرب وجود حالة عداء تلقائي بين كل من واشنطن بل وأن تكونا عدائيتين في ممارستهما وردود أفعالهما تجاه كل منهما الآخر. وقد ظهر هذا بوضوح خلال حادثة “بالون التجسس”، التي افترض فيها الجانبان الأسوأ بشأن تصرفات ونوايا كل منهما. وجاء رد فعلهما وفقًا لمنطق العداء والتنافس على حساب التفاهم المتبادل والسعي لوقف التصعيد.

في الوقت نفسه تزيد السياسات الداخلية في كل من الصين والولايات المتحدة صعوبة تبني سياسات تواصل بناءة يمكن أن تساهم في تجنب تحول التنافس الاستراتيجي إلى مستويات أكثر عدائية. ففي واشنطن تحظى فكرة “التواصل” نفسها مع الصين بالاستنكار من جانب الأمريكيين الذين يرون أن استراتيجية دفع الصين إلى تبني السياسات الليبرالية في الحكم والاقتصاد فشلت بدرجة عرضت المصالح والأمن الأمريكي للخطر. ومع ذلك أصبح من المخاطرة سياسيا أن يدعو أي شخص لإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع بكين، على أساس أن ذلك يضر المصالح الأمريكية ويكافئ الصين على سلوكها السيء. علاوة على ذلك فإنه يتم تصوير الصين باعتبارها تحديا أيديولوجيا وخطيرا للولايات المتحدة، وبالتالي على الأخيرة تبني سياسة عدائية ضدها ليس فقط على مستوى الحكومة وإنما على مستوى المجتمع نفسه.

وعلى الجانب الصيني، لا يواجه الرئيس شي جين بينج تحديات انتخابية كتلك التي يواجهها السياسيون الأمريكيين. ورغم ذلك، فإن سياسات النخبة الصينية أصبحت أكثر تذبذبا، مع تزايد التحديات الداخلية والخارجية مما جعل شي أكثر عرضة للانتقادات الداخلية، إذا لم تظهر شخصية أخرى بارعة تتحدى سلطته أو على الأقل توجهه السياسي. علاوة على ذلك، فإنه في ظل كثافة وتزايد دور النزعة القومية في السياسات الصينية، وانتشار الاعتقاد بأن الولايات المتحدة هي أكبر تهديد خارجي للصين، لن يستطيع شي تحمل خطورة أن ينظر إليه باعتباره “لينا” في مواجهة هذا التهديد أو التعامل معه. وبالتالي لن يكون من السهل بالنسبة للرئيس الصيني سواء من الناحية الشخصية أو السياسية أن يتبنى منهجا تصالحيا مع واشنطن.

في الوقت نفسه فإن الحزب الشيوعي الحاكم في الصين يتصرف أو يرد بطرق عدائية وقاسية، تعزز مقاومة الدول الأخرى لأجندة بكين وتنسف رغبتها في التواصل معها. وفي حقيقة الأمر، غالبا ما يبدو القادة الصينيون غافلين أو غير مبالين بالطريقة التي ينظر بها المجتمع الدولي إلى بلادهم. وكما ترفض واشنطن فكرة أنها تسعى لاحتواء بكين أو تطويقها، تسعى الأخيرة لتغيير سمعتها الدولية التي اكتسبتها من سلوكها الدولي القسري، وممارساتها التجارية غير العادلة، وممارسة النفوذ بطريقة خشنة، والموافقة على سلوك القطيع للأنظمة الأوتوقراطية الأخرى في العالم، وانتهاكاتها لحقوق الإنسان في الداخل.

وقد يتصور الحزب الشيوعي الحاكم، أنه يحتاج إلى التصرف بشكل حاسم للدفاع عن مصالحه والأمن الصيني في بيئة دولية عدائية، أو أن الصين أصبحت تمتلك القدرة الاقتصادية اللازمة لتحمل نفور الدول الأخرى منها. في الوقت نفسه فإن تصرفات الحزب تأتي بنتائج معاكسة لمحاولة بكين كسب القلوب والعقول في إطار سعيها لإقامة “مجتمع المصير المشترك” في العالم.

لكل ذلك يمكن القول إن تصاعد العداء بين الولايات المتحدة والصين يبدو حتميا، ومن غير المنتظر نجاح أي محاولة لاستعادة التقارب بينهما.

Loading

By عبد الرحمن شاهين

مدير الموقع الإلكتروني لجريدة الأوسط العالمية نيوز مقدم برنامج اِلإشارة خضراء على راديو عبش حياتك المنسق الإعلامي للتعليم الفني