كتب: محمد عصام
منقول عن الدكتور أحمد الشعراوي، خبير جودة الإدارة الاستراتيجية واستشاري الحوكمة المؤسسية وإدارة المخاطر
المشهد الافتتاحي: جريمة في غرفة القيادة
في قاعة مجلس إدارة إحدى المجموعات التعليمية العريقة، يجلس ثمانية ورثة حول طاولة المليارات. سبعة منهم لم يقرأوا خطة استراتيجية في حياتهم. صورة المؤسس الراحل تعلو الجدار. هذه ليست جلسة إدارة، بل جنازة حية لإمبراطورية!
التشريح الإداري: 3 ثغرات تنزف منها الثروات
1. ثقب القرار الأسود
(غياب آليات صنع القرار المهني)
المشهد النموذجي: استثمار 20 مليون دولار يُقرر خلال عشاء عائلي!
التحليل الإداري: غياب دراسات الجدوى المهنية، اختفاء تقارير تحليل المخاطر، وهيمنة “الوجاهة العائلية” على الحقائق الرقمية.
النتيجة: قرارات عاطفية تُحول الأصول إلى خسائر.
2. وهم الخلافة السام
(تسليم القيادة بالدم لا بالكفاءة)
الكارثة المسجلة: “مدير تكنولوجيا المعلومات الجديد (خريج آداب) يُغلق أنظمة الحماية لأنه ‘تعطلت’ شاشته!” (شهادة مدير نظم بمجموعة تعليمية).
الأسباب الجذرية: خلط بين الولاء العائلي والخبرة المهنية، ورفض توثيق معايير الترقية.
الضحايا: الكفاءات المهنية التي تهرب للمنافسين.
3. غياب الرقابة الذاتية
(ثقافة الإفلات من المحاسبة)
المأساة المتكررة: “لجنة المراجعة” برئاسة زوجة المؤسس الثانية، وتدقيق مالي موسمي يُجرى بمكتب محاسبة العائلة.
التحليل الاستراتيجي: “الشركات العائلية تنهار حين تتحول الرقابة إلى طقوس شكلية” (بروفيسور ريمون مايلز – كلية لندن للأعمال).
مقارنة تشريحية: لماذا ينهار البعض ويزهو الآخرون؟
نموذج الانهيار (إمبراطورية منحلة)
* صنع القرار: عائلي، عاطفي، بلا دراسات.
* تقييم الأداء: “ابني ممتاز لأنه ابني!”
* الرقابة: زينة إدارية بلا أسنان.
* المصير: استثمارات فاشلة، واختلاسات متتالية.
نموذج البقاء (إمبراطورية اتصالات ناجحة)
* صنع القرار: لجان متخصصة، وبيانات رقمية.
* تقييم الأداء: مؤشرات أداء صارمة (KPI).
* الرقابة: تدقيق خارجي مستقل.
* الثمرة: قرارات دقيقة، وكفاءة مستدامة.
أدوات الخلود الإداري: 3 وصايا جراحية
1. دستور الحوكمة النووي
(وثيقة غير قابلة للكسر)
البنود الحاسمة: فصل منصب رئيس مجلس الإدارة عن المدير التنفيذي، تشكيل “لجان الموت” (مراجعة/تعيينات/مخاطر) بأغلبية غير عائلية، اعتماد مؤشرات أداء رقمية لقياس كفاءة الورثة، وغرامات مالية على تجاوز الصلاحيات.
2. نظام التوريث الاستراتيجي
(مختبر تدريبي قاسٍ)
المراحل الجراحية:
* تقييم مهارات الوريث بواسطة جهة خارجية.
* تدريب خارجي 3-5 سنوات بشركات منافسة.
* مناصب متوسطة بالشركة تحت المراقبة.
* تقييم نهائي: إما قيادة أو منصب استشاري بلا سلطة.
3. نظام الإنذار المبكر
(مستشعرات اكتشاف الانهيار)
المؤشرات القاتلة: اجتماعات إدارية تزيد عن 3 ساعات دون قرارات، هروب ثلاثة كفاءات مهنية في ستة أشهر، وتأخر الرواتب أكثر من خمسة أيام.
بروتوكول الطوارئ: تفعيل مجلس إدارة مؤقت بصلاحيات استثنائية.
الدراسة الصادمة: لماذا ترفض العائلات العلاج؟
* السبب النفسي: وهم “تميز الدم” (86% من المؤسسين يعتقدون أن أبناءهم أفضل من المحترفين).
* السبب الثقافي: وصمة “العار” في استقدام مديرين من خارج العائلة.
* السبب الجوهري: رهاب فقدان السيطرة حتى بعد الموت.
الوصية الأخيرة: رسالة من قلب العاصفة
أيها المؤسس العظيم.. مهمتك لم تنتهِ ببناء الإمبراطورية، بل تبدأ حين تبني نظامًا يمنع سقوطها بعد رحيلك.
الأسماء الكبيرة لا تموت عندما تُنسى، بل عندما ترفض أن تتطور.
اختر: إما أن تخلد نظامك، أو يدفن ورثتك إرثك!