المرأة في عيون الرجال بين الماضي والحاضر
“الطلاق والمشكلات الزوجية”


بقلمي: جمال القاضي

نسأل أنفسنا دائما ، أين ذهب الزمن الجميل ؟ لماذا اختلفت نظرة الرجل الشرقي للمرأة مابين الماضي والحاضر ؟ ولماذا تعددت حالات الطلاق في عصرنا هذا ؟ ماهو دور وسائل التواصل الإجتماعي في إفساد العلاقة الزوجية ؟ ماهو دور الغلاء في عدم إستمرار العلاقة الزوجية ؟ ماهو السبيل للخروج من المشكلات التي تسبب الطلاق ؟

مع عصر الإنفتاحات والتكنولوجيا وتعدد وسائل التواصل ، تتطورت الأحداث ، وتغيرت معها السلوكيات ، غابت تقاليد ، ورحلت عنا عادات ، صرنا نتهم من يتمسك بالأصول والأعراف والدين بالإنسان الرجعي والمتخلف ، فتخلفنا وصرنا في ذيل الأمم ، اختلفت نظرة الرجل للمرأة أمس عن حاضرنا ، فكان للماضي وذكرياته الجميلة ذكريات لاتنسى ، قائلين ليتنا كنا هناك ولم نبقى يوما واحدا نعيش فيه هنا .

لنعود بالمقارنات بين نظرة الرجل الشرقي للمرإة في حاضرنا وبين نظرته لها في الماضي ، إنها المدرسة العريقة التي تتلمذ على يديها الطبيب والعالم ورجل الدين والعابد والمهندس والمدرس ، كم غرست من العادات بشخصياتهم ، فكانوا لها معترفين بكل جميل كان منها رغم قسوتها عليهم في بعض الأحيان ، إنها المرأة في ثوبها الطاهر العفيف هي الأم التي لاتنسى أبدا ،

كانت هناك بالماضي مثالاً للتضحية رغم حرمانها الشخصي مما قد تشتهيه هي ، لقمة في فم إبنها أو زوجها حين تطعمها أي منهما رغم جوعها ، تشعر مع هذا الإطعام بالشبع ، ليس كان ذلك التفاني في التضحية من فراغ ، وإنما كان ذلك يعود لمدى إحساسها بتقدير الرجل لهذه الزوجة والأم في حياته ، فكان يرى منها الشق الثاني لأعمدة منزله والمكمل له ، كان يقدر تواجدها ، يعطيها حقوقها من الإحترام وسط أبنائها ، فصارت تعلو بمكانتها أعالى القمم ، تحترم منهم وتقبل يداها بل وعلى رأسها إجلالاً واحتراما لها من بين أفراد أسرتها ،

كانت تتحمل المشقة والفقر والنحت في الصخور القاسية لهذه الحياة ، لاتكل ولاتمل من تعبها ، فيكفيها نظرة الإحترام التي تحظى بها دواءً يذهب ماأصاب جسدها من وجع وألم ، كانت تعلم أن هذا الزوج لايسمح بإهانتها منه شخصياً أو من جيرانها أو غير كل ذلك من أفراد قريتها أو بشارعها ، فصارت من أغنى السلع التي يعرف قيمتها من تعلم وورث جميل العادات ، وإن غضبت يوما ما من زوجها لاتطلب شروطاً لرجوعها ، إو تنتهي إقامتها عند أبيها بالطلاق إلا نادرا ، حتى وإن مات عنها زوجها رفضت الزواج قائمة على تربية أولادها خيرا من زواج جديد يشتت جمع أسرتها رغم أنها تعلم جيداً أن ذلك الزواج أبدا لم يخالف الشرع إو الدين ، فكان لإهتمام الزوج وتقديره لزوجته دوراً أصيلاً في بقاء واستمرار هذه العلاقة مابقى كلاهما على هذه الحياة ،

سريعا نعود من للماضي ، سوف نستقل القطار ذاهبين لمحطات الحاضر ، ونقف عند واحدة منها وهي محطة اليوم ، للنزل مسرعين منه ، متعجبين لما نرى من مشاهد تدمي العين لما ترى من عجائب في هذا الزمان ، ومن تلك المعاملات التي راح يتعامل بها الزوج مع زوجته والزوجة مع زوجها ، فقد اختلفت تلك الرؤى وتلك النظرة ، ولم يكن هذا بالغريب والعجيب مع التطورات المتلاحقة للتكنولوجيا الالكترونية من وسائل للتواصل الإجتماعي وغيرها ، فتركت الأم بناتها وولدها عرضة للفتن التي تأتيهم من هذه الوسائل الساحرة لتصبح سلعة رخيصة تفتك بالأخلاق وقد تهتك بالأعراض أو تذهب بما بقى من شرف وكرامة قد ورثتها وتعلمتها قديماً ،

وعن نظرة الرجل للمرأة ، فلاحرج من أن نقول عن تلك النظرة سوى أنها نظرة جنسية بحتة ، فكان هذا هو الغرض الأول والمسبق من الزواج للمتعة الجنسية وسط غياب النوايا لإقامة علاقة زوجية طويلة يكون من أثرها ثمرة حصادها الأبناء ، أو بناء أسرة جديدة تجمع في نسيجها المحبة وتبني أعمدتها في التقاليد العريقة ، فكانت العلاقات بداخلها هشة سرعان ما أن تنتهي ،

ولانتهم وسائل التواصل الإجتماعي ونظرة الرجل الشهوانية للمرأة وفقط ، فهناك مايفسد تلك العلاقة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، إنه الغلاء الذي راح فيروساً يفتك بمابقى للزوج من وقت فراغ قد يقضيه بين أفراد أسرته ، فذهب هذا الزوج يحمل عزيمته وقوته مجاهداً من أجل لقمة العيش التي تكفل لأسرة الكرامة ، وتضمن لهم البقاء بنفس هيبتها وسط المجتمع ، ليقضي معظم ليله ونهاره متنقلاً بين مهام عمل هذه وذاك ليحصل في النهاية القليل من المال في مقابل توفير إحتياجاته وإحتياجات أسرته ، ففقد بعمله تواجده بين أسرته وزوجته ، الأمر الذي جعل الزوجة تشعر بفقدانها إهتمام زوجها لها فشعرت بضعف حب زوجها لها ، وبالتالي ضعف الترابط بين الزوجين ،

هذا الفقدان الذي تشعر به الزوجة تجاه زوجها ، جعلها تبحث عنه بعيدا عن الزوج ، فما كان منها إلا أن تذهب سريعاً ، مستخدمة محركات البحث في وسائل التواصل الإجتماعي ، لعلها تجد هناك من يعطيها هذا الإهتمام ويشعرها بأهميتها ، فكان منها تنازلات ، ذهبت بشرفها وكرامتها وجعلها فريسة سهلة الإصطياد لتقع في بحر الرذيلة في كثير من الأحيان ، رغم علمها علماً يقيناً بأن هذا الإهتمام ممن ليس مطلوب منهم الإهتمام هو أمر كاذب لايسمن ولايغني من جوع ،

ومع عصر الحرية قد رأينا أن كل من هو يتمسك بالعادات والتقاليد القديمة أو من كان على خلق وتدين ، هو إنسان قد أتهم ممن حوله بالتخلف والرجعية حتى من أفراد أسرته ذاتهم قائلين : هل هناك مثلك بقى في هذا الزمان ؟
فشعر بنفور ممن حوله له ولتقاليده ، وراح شيئاً فشيئاً يتخلى عن ما ورثه من أبويه من أجمل العادات ويتنازل عنها ، حتى يواكب عصره ، وينال رضا أولاده ، سامحاً لهم بالتحرر والحرية المطلقة ، فلايحاسب مخطئ ، ولايعاتب مقصر حتى تبقى صورته بما وصفوه بها من الرقي والتقدم ، لكن تحدث وتتراكم المشكلات التي تشعر بها الزوجة وتشعر بالسلبية وعدم الرجولة وعدم قدرته على حل مشكلاتها ومشكلات أبنائها أو عدم قدرته على إتخاذ قرار ، فتلجأ إلى أبيها وأمها وتحدث مابينهما مشاكل قد تفرق فيما بين الزوجين ،

هذا وكل ماقد ذكرنا قد يتسبب في حدوث الطلاق لتنتهي أسمى علاقة بين الرجل والمرأة ، وخير مثال يؤكد النتائج لتلك المشكلات التي ذكرناها سابقاً هو الإحصائيات التي تبين حالات الزواج والطلاق في عصرنا الحاضر وبالأرقام التي تثير الرعب والخوف من تفشي حالات الطلاق من بين تلك الزيجات ،

والمؤشرات الخاصة بالطلاق والزواج في 2020 هي خير دليل ، حيث توضح أن عدد عقود الزواج خلال 2020 بلغ 876 ألف عقد، ثم 880 ألف خلال عام 2021، بينما بلغت بيانات الطلاق 222 ألف حالة خلال 2020، ثم ارتفعت بنسبة 13% لتبلغ 245 ألف حالة خلال 2021 ، كما أنه وفقًا لبيانات 2020 تحدث حالة طلاق كل دقيقتين، وحوالي 25 حالة في الساعة، و638 حالة، وأكثر من 18 ألف حالة في الشهر ،

وأخيرا : كيف لنا أن نعود وتصبح العلاقات الزوجية كما كانت ؟

لن تعود تلك العلاقة إلا حينما تعود للمرأة مكانتها ، فقد كرمها الدين لكننا جعلنا منها سلعة رخيصة ، جعلنا نظرتنا لها نظرة شهوانية فقط وبالدرجة الأولى ، هي بغرض المتعة وليس سوى ذلك ونسينا أن هيبة المرأة هي من هيبة الرجل واحترامه ، فهي الزوجة التي يجب أن تنال إهتمام وحب زوجها ، وهي المدرسة التي يتعلم فيها ومنها الأبناء فعلى أبويها أن يقدموا لها المناهج المسبقة التي بها تصبح مدرسة حقيقية للأخلاق ، على الزوج والزوجة أيضاً ، أن يناقشا مشكلاتهما الزوجية بعيداً عن الأبناء ودون إهانة لها أو ضرب أمامهم حتى لاتفقد أحترامهم لها وحتى لاتصبح مطمعاً من أحدهم أو أن يقوى عليها بالألفاظ المهينة أو التطاول عليها ضرباً ،

على الزوجة أيضا أن تقف بجوار زوجها في حالة فقرة وجور الحياة عليه ، ويجب أن تعلم جيداً أن هذا الوقت الذي ضاع بينهما هو من أجل أن يجعلها في حال أفضل مما كانت عليه سابقاً ، ولها أن تغضب منه فقط في حال إن كان ميسوراً في العيش ويقضي وقت فراغه بعيداً عنها ولايبدى لها أي إهتمام ،

علينا أن نعلم أن الأبناء ليس لهم ذنب في الطلاق ، فمع هذا الطلاق على كل من الطرفين الزوج والزوجة ، أنهما سارعا في هدم بنيان ، وتفريق جمع قد يخلف من ورائه مجرماً أو مدمناً أو قاتلاً أو عاقاً لوالدية وحينها يكون الندم حيث لاينفع ندم ولاعتاب وقتها ،

علينا أن نعود للدين ونتعلم منه كيف التعامل بين الزوج وزوجته ، وليست الحرية والتقدم بترك تلك المبادئ والقيم ، وإنما الحرية هو الإستماع للآخر ومناقشة المشكلات والوصول لحلول أفضل ، تدحر كيد الشيطان وتسد باب الفتن ، لتستمر بنا الحياة دون تفريق بين شمل الأسرة .

Loading