كتب _ عبدالرحمن شاهين
أكد الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية أنه بعد أن وصل التعليم إلى هذا الحدِّ من الأهمية والخطورة في حياة الناس ومجريات زمانهم أدركت المؤسسات الكبرى أنه لا بدَّ من وضعِ نظامٍ محدَّدٍ ومدروس من المناهج التي تسير على ضوئها العملية التعليمية، حتى لا تكون متروكةً لأهواء الناس وميولهم المختلفة.
وتابع: «كما أنها رأت أنَّ واقع المتعلِّمين يفرض على أصحاب الشأن العلمي أن يفرِّقوا بين طبقات المتعلمين، فكل مرحلة عمرية لها ظروفها، ولها خطابها العلمي الذي تستوعبه، فتوافقت الأنظمة على اعتماد مناهج معيَّنة للتعليم في مراحله المختلفة، فتعليم الأطفال له مناهج وأولويات، والمرحلة الابتدائية لها مناهجها المتدرِّجة من الأدنى إلى الأعلى، والإعدادية والثانوية يحتاجان مناهج أكثر اتساعًا ودقَّةً، حتى تتوَّج المراحل بالتعليم الجامعي والعالي فتزداد المناهج دقةً واتساعًا».
وبيَّن الدكتور شوقي علام، خلال كلمته اليوم، بمؤتمر التعليم الأزهري، أن الهدف من كل هذا الحراكِ العلمي والرقابي والإداري النهوضُ بالتعليم إلى أعلى مكانةٍ، والوصولُ به إلى أبهى صورة، حتى يؤتي ثمارَه المرجوة في تجميل الحياة وتحقيق الكفاية والرفاه.
وقال الدكتور شوقي علام: «إننا -بعد كلِّ هذا- إذا ما وجَّهنا أنظارنا ما يمَسُّ هُوِيّتَنا العربية ودينَنا الإسلامي وثقافتَنا الأخلاقية على وجه الخصوص وجدنا على رأس مؤسسات التعليم في هذا السياق: الأزهر الشريف؛ حيث تعليمُ اللغة العربية في صورته المثلى، وتعليمُ المعارف الشرعية من الكتاب والسنَّة وكلِّ ما يتَّصل بهما من فروعِ العلم وأصولِه، وفلسفاتُ الأخلاق الراقية التي تهدف إلى الكمال الإنساني الراغب في رضا الله عزَّ وجلَّ وحده، وأصولُ التعامل الهادفة التي تيسِّر سبل التواصل والتكافل بين كافة البشر، وتحفظ الحياة على صفحة الكون على أكمل الوجوه».
وأكَّد مفتي الجمهورية أنَّ الأزهر الشريف الذي قام على مرِّ العصور بدَور كبير في المساهمة الفعَّالة لإنجاح العملية التعليمة وتطويرها، لا يزال يقوم بدَوره الرائد في هذه الأيام، مع كثرة التحديات، وضخامة الأعباء، ولسنا الآن بصدد تعداد وحصر ما قام به الأزهر قديمًا وما يقوم به الآن، فهذا أمر يطول، وإنما نوجِّه الأنظارَ إلى ضرورة الاعتناء بأمور التعليم في الأزهر الشريف، ومساعدته على مزيد من التطوير والتقدُّم، وتذليل العقبات التي تعوق سَيْر منظومته الفريدة في الشأن التعليمي، حتى يظلَّ -كما كان دائمًا- صمامَ أمانٍ وكهفَ سلامٍ يحتوي كلَّ البشر، ويضمنُ لهم علمًا نافعًا، وعيْشًا هانئًا، وحياةً مستقرَّةً.
وأشار الدكتور شوقي علام إلى أن التعليم في مؤسساتنا الوطنية العربية في الأزهر الشريف وغيرِه لم يكن قاصرًا على لونٍ واحد من المعارف، فلم يهتمَّ بالشريعة ويهمل علوم الكون، ولم يهتم باللغة العربية ويهمل اللغات الأخرى، ولم يهتمَّ بدراسة الدين الإسلامي ويهمل الاطلاع على الأديان الأخرى، ولم يحصر نفسه في قمقم التاريخ وينسى أن يعيش واقعه ويساهم فيه بما عليه من مهمات، وإنما كانت العملية التعليمية هنا مثالًا للتوازن والتكامل والاتساع الفكري البديع، فإلى جانب العربية توجد أقسام اللغات الحية في الكليات المعنية باللغات والألسن، وإلى جانب كليات الشريعة توجد الكليات التجريبية والعملية في مختلف المجالات من الطب والصيدلة والهندسة والزراعة والتجارة والسياسة والاقتصاد ومراصد الفلك، والدراسات النفسية والاجتماعية، وغير ذلك، فالعلوم هنا في الصرح الأزهري على وجه الخصوص تتكامل تكاملًا فريدًا لا نظير له في أي مكانٍ آخر.