أعلنت إسرائيل نجاح عملية استخباراتية استهدفت استعادة أرشيف الجاسوس إيلي كوهين من سوريا، في خطوة وصفتها تل أبيب بأنها “إنجاز نوعي” لجهاز الموساد، وتأتي بعد مضي أكثر من ستين عامًا على إعدامه العلني في دمشق عام 1965.

العملية، التي كُشف عنها في بيان رسمي صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بالتعاون مع جهاز الموساد، أفضت إلى استعادة نحو 2500 قطعة أرشيفية تشمل وثائق مكتوبة بخط يد كوهين، وصورًا نادرة، وجوازات سفر مزورة، ومراسلات استخباراتية، فضلًا عن مقتنيات شخصية تعود لفترة نشاطه داخل سوريا.

وتم تقديم جزء من هذا الأرشيف إلى أرملته نادية كوهين، خلال مراسم أقيمت في مدينة القدس، وسط تأكيدات من رئيس الموساد دافيد برنياع أن هذه الوثائق تشكل خطوة جديدة تقرب إسرائيل من تحديد موقع دفن كوهين، والذي ما زال طي الكتمان منذ عقود.

 

من هو إيلي كوهين؟

وُلد كوهين في مدينة الإسكندرية بمصر عام 1924، وهاجر إلى إسرائيل في الخمسينيات، حيث التحق بجهاز الموساد، وتم تكليفه بواحدة من أخطر مهامه: التسلل إلى أعلى المستويات في النظام السوري.

وتحت اسم مستعار هو كامل أمين ثابت، انتحل كوهين شخصية رجل أعمال سوري عائد من المهجر، ونجح في التغلغل داخل مؤسسات الدولة، حتى بات قريبًا من دوائر صنع القرار، بل وشغل منصب مستشار لوزير الدفاع السوري في تلك الفترة.

وكشفت الوثائق المستعادة أن المعلومات التي نقلها كوهين إلى إسرائيل كانت حاسمة، وأسهمت بشكل مباشر في دعم الموقف العسكري الإسرائيلي خلال حرب 1967، التي أسفرت عن احتلال الجولان.

 

لكن في يناير 1965، تم كشف أمره خلال محاولة لبث معلومات عبر جهاز لاسلكي، واعتُقل، ثم حُوكم علنًا وأُعدم في ساحة المرجة بدمشق، في واقعة لا تزال حاضرة في الذاكرة السياسية العربية.

جهود مستمرة للعثور على رفات إيلي كوهين

رغم مرور أكثر من نصف قرن، لا تزال إسرائيل تبحث عن رفاته، فيما تصفه “بالمعركة الأخلاقية والإنسانية”، حيث سبق أن أعلنت في عام 2018 عن استعادة ساعة يد كان يرتديها كوهين أثناء اعتقاله، في عملية لم تُكشف تفاصيلها الكاملة وقتها، وتشير تقارير إلى أن السلطات السورية تعمّدت تغيير موقع دفنه عدة مرات، لمنع تعقّبه.

وفي عام 2025، أكّد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن البحث عن رفات مستمر إيلي كوهين، وأن الحكومة الإسرائيلية لن تتوقف عن ملاحقة هذا الملف، بدعم استخباراتي ودبلوماسي واسع.

 

أبعاد ودلالات استعادة أرشيف إيلي كوهين

يُعدّ الأرشيف المستعاد من سوريا ذا قيمة استخباراتية وتاريخية بالغة، ليس فقط لأنه يوثق تفاصيل عمليات كوهين، بل لأنه يعيد تأكيد مدى اختراقه لمفاصل القرار السوري آنذاك.

ويُمثل هذا الإنجاز رسالة سياسية رمزية من الموساد، مفادها أن إسرائيل لا تنسى عملاءها، وأنها مستعدة لبذل الجهود حتى بعد عقود، من أجل استعادة ما تعتبره إرثًا وطنيًا وأخلاقيًا.

وفي المقابل تُعيد هذه القصة تسليط الضوء على تعقيدات الصراع الاستخباراتي العربي الإسرائيلي، وعلى الثغرات التي استغلّتها إسرائيل في تلك الحقبة، والتي ما زالت تُدرس في الأوساط الأمنية حتى اليوم.

 

Loading

By عبد الرحمن شاهين

مدير الموقع الإلكتروني لجريدة الأوسط العالمية نيوز مقدم برنامج اِلإشارة خضراء على راديو عبش حياتك المنسق الإعلامي للتعليم الفني