منال القاضى
تحت عنوان «الفتوى وبناء الإنسان»، أعلنت دار الإفتاء الرسمية دعم المبادرة الرئاسية «بداية جديدة لبناء الإنسان المصرى»، التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهو ما أكده الدكتور نظير عياد، مفتى الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، الذى قال إن الندوة، التى عقدت الأسبوع الماضى بحضور عدد كبير من شخصيات دينية إسلامية ومسيحية وسياسيين، تهدف إلى التأكيد على أهمية الدور المحورى للفتوى الرشيدة فى عملية بناء الإنسان المصرى، بناءً متكاملًا يُسهم فى تحقيق النهضة الحضارية، التى نعيشها وتسعى إليها الدولة المصرية، من خلال تسليط الضوء على الفتوى الوسطية كأداة لبناء المجتمعات، وتنميتها على أسس علمية وروحية.
وأكد عياد، أن دار الإفتاء المصرية، أحد أهم مكونات الدولة ومؤسساتها الدينية والمجتمعية، بالإضافة إلى اضطلاع الدار بدور محورى ورئيسى فى نشر الوسطية والاعتدال ومواجهة الفكر المتطرف فى الداخل والخارج، وما يترتب عليه من هدمٍ للمبادئ والقيم الإنسانية والمجتمعية، وقال: إننا نقصد ببناء الإنسان ضرورة إعادة تكوينه وإعداده جيدًا؛ حتى يؤدى وظائفه الدينية والوطنية والدنيوية بجدارةٍ واقتدارٍ، وهذا المعنى، قد اهتم به الإسلام اهتمامًا بالغًا، ومن ثم عزَّز فى الإنسان عقيدة التوحيد الخالص وضرورة مراقبة الله تعالى فى كل الأحوال، موضحًا أن عملية بناء الإنسان، التى نسعى إليها تتطلب أمرين، الأول ضرورة إعادة بناء الوعى المعرفى والثقافى للإنسان المعاصر، وهو ما يتطلب منا التعاون والتضافر نحو بذل الجهود الكبيرة فى إعداد البرامج التربوية والتأهيلية، التى تعيد تشكيل الوعى المعرفى والثقافى عند الإنسان، مع ضرورة أن تستمر هذه الجهود فى تحقيق استراتيجية التأهيل والتربية بشكل جاد وحاسم، حتى يستطيع الإنسان تحقيق التوازن بين المتطلبات الدينية والدنيوية.
والثانى: ضرورة تحصين الفكر والهوية الدينية والوطنية، وهذا – أيضًا – يتطلب منا تضافر الجهود المؤسسية – الدينية والمجتمعية – نحو وضع البرامج والاستراتيجيات الجادة، التى تضمن لنا تحصين الإنسان المعاصر من الانزلاق والانجرار نحو الفكر المتطرف بنوعيه الدينى واللادينى، الذى يسعى كل منهما لسلخ الهوية الدينية والوطنية من الإنسان.
وأشار عياد إلى أهم توجهات الفكر المتطرف المعادية لبناء الإنسان، والمتمثلة فى صرف الشباب المتدين عن العلوم الدنيوية والإنسانية وذمها والحط من قدرها وقيمتها فى الواقع، ودعوة الشباب إلى ترك تعلمها والانغماس فقط فى طلب العلم الشرعى من وجهة نظرهم هم؛ ما خرَّج لنا جيلًا قابعًا فى أعماق الماضى، متمسكًا بالمظاهر الدينية الشكلية فقط، رافضًا لكل مظاهر التقدم والعمران، وقال: كلنا قد شاهدنا رأى العين الآثار السلبية، التى ترتبت على وجود هذه الجماعات، من زعزعة استقرار المجتمعات، وهز الثقة بالمؤسسات الدينية، وإحياء الفتن والصراعات الممزقة للأوطان، والتأثير السلبى على الاقتصاد الوطنى، وتشويه صورة الدين الحنيف، وتهديد السلم والأمن المجتمعى، والتعدى على حقوق غير المسلمين فى الوطن الواحد، والتحريض على الدولة ومؤسساتها الدينية والمجتمعية، وغير ذلك.
وقال الأنبا إرميا، الأسقف العام ورئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى، إن للإنسان كرامة، وهو ما أكدته كل الأديان السماوية، مستعرضًا العديد من نصوص القرآن والإنجيل، مضيفًا أن للإنسان تأثيرًا لما يُزرع فيه من قيم وأفكار، مضيفًا أن للناس رسالة فى الحياة، فمنهم من يؤديها ومنهم من يفشل فى ذلك، وما يتبقى للإنسان من أعماله هو الخير والعطاء، وليس قيمة الإنسان بما يملكه، ولكن بما يمنحه، ولذا أفضل استثمار هو بناء الإنسان، وعلينا الاعتماد على الأفكار الرشيدة، وإفساح المجال لأصحاب الابتكارات والمواهب.
من جانبه قال الدكتور محمد الضوينى، وكيل الأزهر الشريف ،إن ندوة «الفتوى وبناء الإنسان»، تأتى فى سياق مبادرة بداية جديدة فى إطار حرص الرئيس السيسى على تحقيق نهضة شاملة لهذا الوطن، موضحا أنه على الرغم مما نعيشه من آلام بسبب ما يجرى فى ربوع أمتنا بما يخالف كل الأعراف، فما زالت أمتنا قادرة على النصر، والله على ما يشاء قدير، موضحًا أن لقاءنا اليوم، يطوف حول ثنائية مهمة، أما الأولى: فالفتوى، وأما الثانية: فبناء الإنسان.
وأشار الضوينى إلى أن وظيفة المفتى تتجاوز بيان الحكم الشرعى إلى وظيفة أعمق تتعلق بالإنسان، ووظيفة المفتى التربوية، التى تهتم ببيان الحكم الشرعى، وتوجيهه إلى القلب والسلوك، والرسول كان لا يكتفى ببيان الحكم، بل كان يراعى قلب المستفتى، وتوجيه سلوكه.
وخلال ورشة العمل، التى نظمها المؤشر العالمى للفتوى (GFI) التابع لـ دار الإفتاء، وترأسها الدكتور نظير عياد، قال الدكتور داود سلامة، رئيس جامعة الأزهر، إنه من الصعب مواجهة الإنسان بخطئه، ونحتاج إلى ضرورة حسن البيان، وكما قيل: النقد صعب، فاستعينوا عليه بحسن البيان، مشيرًا إلى ضرورة الاعتدال، وعدم التشدد، حيث الجهل داء ودواؤه العلم.
وعرض المؤشر العالمى خلال الورشة نتائج ورقته البحثية (المقارنة)، التى جاءت تحت عنوان «تأثير الفتوى على جهود بناء الإنسان.. بين الدعم والتقويض»، واعتمدت الدراسة على التحليل الإحصائى والشرعى لعينة من (200) فتوى لدار الإفتاء المصرية والأزهر الشريف حول القضايا المتعلقة ببناء الإنسان، و(500) فتوى من الفكر المتطرف، تم الحصول عليها من كتابات كبار منظِّرى التنظيمات المتطرفة، منهم: عبد الله عزام، وأبو قتادة الفلسطينى، وسيد قطب، إلى جانب إصدارات التنظيمات الإفتائية المكتوبة والإذاعية، مثل إذاعة البيان، ومجلة النبأ، التابعتين لتنظيم داعش الإرهابى.
وأشار المؤشر إلى أن الفتاوى المتعلقة بتحسين الأوضاع الاقتصادية للناس، والقضاء على الفقر والجوع، مثلت النسبة الأكبر من فتاوى العينة، التى تتعلق ببناء الإنسان ودعمه، والتى بلغت (30%). وتمكنت الفتاوى من تحقيق اجتهاد فقهى يتماشى مع احتياجات وتطورات العصر، وغطت جانبين رئيسيين؛ الأول: الارتقاء بالمستوى المعيشى للأفراد من خلال تنظيم قواعد الزكاة والصدقات؛ والثانى: دعم الجهود الوطنية لتحسين الاقتصاد، وتحقيق نموه وازدهاره.
وأكد على تناول فتاوى دار الإفتاء المصرية والأزهر الشريف للقضايا المتعلقة ببناء الإنسان عقائديًا وفكريًا، والتى شكلت نسبة (20.5%) من إجمالى فتاوى العينة المنضبطة. وتضمنت الفتاوى شقين، الشق الأول: بيان دور المسلم فى السعى لبناء عقيدته وفكره، والذى مثل نسبة (40%) من إجمالى فتاوى هذا الموضوع. والشق الثانى: بيان دور العلماء والفقهاء والدعاة فى تعليم الناس وإرشادهم، وبناء فكرهم السوى، والابتعاد عن الفكر الشاذ، سواء كان تطرفًا أو تساهلًا، والذى مثل نسبة (60%) من إجمالى فتاوى هذا الموضوع.
وأوضح مدير المؤشر «طارق أبو هشيمة»، أن فتاوى عينة الدراسة، التى تناولت قضية بناء الإنسان صحيًا ومعيشيًا، جاءت بنسبة (17.5%) من إجمالى فتاوى العينة المنضبطة، وركزت على دعم الحفاظ على صحة وحياة الإنسان، وظهرت فيها جهود كبيرة لتحقيق الاجتهاد الفقهى فى التعامل مع القضايا المستجدة. كما حرصت على إعلاء مقاصد حفظ النفس وتطبيق قاعدة دفع الضرر، التى تقضى بعدم جواز الإضرار بالآخرين، وإذا وقع الضرر، فتجب إزالته، وهو ما يُعرف بقاعدة: «لا ضرر ولا ضرار». كما أكد على اهتمام الفتوى الرسمية بتأكيد مبادئ بناء الأسرة والارتقاء بها سواء فيما يتعلق بالأب والأم والأبناء فى مختلف المراحل العمرية، وبلغت نسبة هذه الفتاوى (15%) من إجمالى فتاوى العينة المنضبطة، وتضمنت الحفاظ على قيم الأسرة وسلامة أعضائها، من خلال: التأكيد على حقوق المرأة، وحقوق الطفل، ودعم كبار السن، ومواجهة الظواهر الاجتماعية السلبية، مثل التنمر والانتحار.
وفى القسم المتعلق ببيان التأثير السلبى للفتوى غير المنضبطة والمتطرفة على هدم الإنسان والمجتمعات، أكد مدير مؤشر الفتوى، أن الفكر المتطرف ينتهك كل أسس حياة الإنسان على الأرض. والدليل على ذلك، وفقًا لدراسة المؤشر، أن (32%) من إجمالى فتاوى الجماعات المتطرفة، تبيح إنهاء حياة الإنسان وسفك دمائه، سواء كان الفرد من أتباع التنظيم، وهنا يكون من السهل التضحية بحياته بإقناعه زورًا بأن هذا من «الجهاد» و«الشهادة فى سبيل الله»، أو إذا كان الشخص مخالفًا للتنظيم، ففى هذه الحالة يجيز الفكر المتطرف انتهاك حياته باعتباره «كافرًا».