كتب: مظهر شاهين
طالعتُ ردّك الأخير، فأدهشني أن ما بنيته لم يكن على ما قلته، بل على أوهام نسجتها من عندك،
وأفكار لم ترد في كلامي، وادعاءات لم أنطق بها. ولذا أبدأ بالقول: أراهن على أنك لم تقرأ ما كتبت،
ولو قرأته قراءة منصفة، لما أسقطت عليّ مواقف لم أتخذها، ولما نصّبت نفسك مدافعًا عن شخصٍ لم أتّهمه، ومهاجمًا لمن لم يدنِه.
الكلمة امانة
ثم أتحداكم، أنتم وكل من هاجم، أن تستخرجوا من بين كلماتي حرفًا واحدًا يُحرّم الفن، أو يُجرّم الغناء،
أو يدعو إلى التشدد كما زعمتم. فكل ما قيل بني على تأويلات متعجلة، لا على قراءة واعية.
وأذكّركم أن الكلمة أمانة، وأن المحاسبة يجب أن تكون على ما قيل، لا على ما تظنونه قيل.
العبد مسؤول عن توبته
أما ما أدهى، فهو تساؤلكم عن توبة فلان من داخل المسجد النبوي، وكأنني كنت خلفه أو أمليت عليه ما قال.
فأسأل بدوري: من الذي أعلن توبته؟ وعن أي شيء تاب؟ ولماذا؟ وهل كنت أنا مَن دعاه إلى ذلك أو طالبه به؟
أليس الأولى بمن يعظّم حرية الفرد أن يوجّه إليه السؤال، لا أن يحمّل غيره ما لا شأن له به؟
لكنكم لا ترون في هذا المشهد إلا الشيخ، ولا تقرأون الحدث إلا من زاوية تصنع الخصومة، لا الفهم.
الوصاية تمارس باسم التنوير
وهنا أصل معكم إلى جوهر ما يدور: أنتم تكرهون الوصاية، أو هكذا تقولون، لكنكم في المقابل تمارسونها باسم التنوير.
تريدون أن نقول ما تحبونه، ونكفّ عما تكرهونه، وأن نتبنى رؤيتكم وحدها كأنها الحق المطلق،
أما سواها فجهل وتخلّف ووصاية. تسقطون عنا صفة الحرية، وتلبسونها أنفسكم، وتختصرون التنوير في اتجاه واحد لا يقبل التعدد ولا الاعتدال.
نحن ضد الإسفاف وليس الفن
إننا لم نكن يومًا ضد الفن، بل كنا وسنبقى ضد الإسفاف. نُفرّق بوضوح بين الغناء الراقي الذي يرقّي الذوق، ويرتقي بالمجتمع،
ويعبر عن القيم والمشاعر الرفيعة، وبين الغناء الهابط الذي يروّج للعُري والمجون والابتذال،
ويُصوَّر على أنه حرية وهو في الحقيقة تفريغ للوجدان وتسميم للذوق. وإن كان الدفاع عن القيم يُغضب البعض،
فليغضبوا. نحن لا نُصادر، لكننا نُبصّر ونُحذّر، وهذا حق لا يقل عن حقكم في القول.
لسنا اوصياء على الناس
ولذا، أقولها بوضوح: لسنا أوصياء على الناس، لكننا أيضًا لن نسمح لأحد أن يفرض علينا وصايته تحت عباءة الحرية الزائفة.
لن نقول ما تريدون، ولن نصمت عمّا نراه خطرًا على القيم، ولن نُساق إلى محراب التمجيد الإجباري لمن لا يستحق. هذا والله، لن يكون.
نرفض تشوية الدين باسم التنوير
نحن أبناء مدرسة تحترم العقل، وتُعلي من الحوار، وتؤمن بالجمال، لكننا نرفض أن يُختطف الفن باسم الحرية،
أو أن يُشوَّه الدين باسم التنوير، أو أن يُساق الناس إلى معارك وهمية تصنعها مخاوفكم وأوهامكم.
نزرع الكلمة الطيبة.. والله الهادى
فنحن لا نحفر في الماء، بل نزرع في الأرض… نزرع الكلمة الطيبة، والموقف النزيه، والرؤية المتوازنة…
وسيبقى الحق واضحًا، ولو كره المتأوّلون.
والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.