متابعة رفعت عبد السميع
يأتي الاحتفال باليوم العربي للسكان والتنمية للعام 2024 والذي يحمل عنوان “سكان العالم العربي بين الواقع والمأمول” مختلفاً عن أي وقت مضي؛ فما بين الواقع المأساوي الذي تتزاحم فيه صور القتل والترويع والترهيب للسكان وللمدنيين العزل من النساء والأطفال والمسنين والدمار والتهجير والنزوح جراء العدوان الإسرائيلي الغاشم ليس فقط على ارض فلسطين منذ أكثر من عام، بل وايضاً على أرض لبنان الشقيق، هذا كله بينما قادة دول العالم مجتمعون بمؤتمر القمة المعني بالمستقبل بالأمم المتحدة لاعتماد ميثاق المستقبل والإعلان بشأن الأجيال المقبلة.
فالحديث عن المستقبل وتحقيق الحاضر الافضل عبر التعاون العالمي الفعال لضمان البقاء على قيد الحياة اصبح مفرغاً من معناه، وسط وقوف المجتمع الدولي عاجزاً مكتوف الأيدي عن وقف امعان آلة القتل الإسرائيلية وعربدتها وانتهاكها لسيادة الدول في المنطقة في ضوء المشاهد اليومية المتكررة لسقوط الآلاف من القتلى من السكان والنازحين العزل، ولمحي مدن وقرى ومناطق بالكامل تحت وطأة الضربات الإسرائيلية؛ ما يفضي بالنهاية الى تغيير شكل الخريطة الديمغرافية لهذه الدول، حيث يقدر عدد الأشخاص الذين اجبروا على مغادرة منازلهم في لبنان بحثاً عن الأمان منذ بدء الغارات الجوية الاسرائيلية الكثيفة الى مليون وخمسمائة الف شخص نازح داخلياً، فضلاً عن تدفق الاف آخرين الى سوريا والعراق، وسط مؤشرات متزايدة بحدوث أزمة إنسانية كارثية غير مسبوقة خاصةً مع قرب فصل الشتاء.
فما أقرب اليوم من البارحة، فمنذ اندلاع الحرب على قطاع غزة ويقدر عدد الأشخاص الذين نزحوا من القطاع عدة مرات ما يقرب من 1.9 مليون شخص؛ فالحرب لم تخلق ازمة إنسانية فحسب بل انهارت معها جميع سبل الحياة والأمان والمأوى بالقطاع ما أدى الى تخلف الملايين من السكان الفلسطينيين عن اللحاق بالركب، وحدوث تدهور حاد في معدلات التنمية البشرية بالأراضي الفلسطينية والتي من المتوقع ان تتراجع بدولة فلسطين ما بين 11 و16 عاماً الى الوراء حسب شدتها.
إن الفكر الصهيوني التوسعي يسعى من خلال همجيته وسياسة التدمير والأرض المحروقة الى تغيير ديمغرافي شامل يغير خارطة الشرق الأوسط بأكمله وليس فقط في لبنان وفلسطين، فأطماعه أصبحت معلنه على أعلى المنابر الدولية. من هنا ومن دورنا في حماية المواطن العربي والحفاظ على هويته ورفاهه وأمنه ندعو الى التعاضد والوقوف معا ضد هذا المشروع الصهيوني التوسعي القاتل وشجب هذا العدوان على أهلنا في غزة والضفة ولبنان وانهائه قبل ان يحول هذا المجرم بلادنا الى رماد.
أن السكان والتنمية أمران يصعب اجتماعهما في ظل استمرار الاحتلال والصراعات المسلحة، فالأمن والسلام والاستقرار هم وسيلة ضرورية للحفاظ على المكاسب التنموية المتحققة بشق الانفس على صعيد العمل السكاني العربي؛ والذي لا يجب ان تنسينا تكالب احداثه الجسام في ان نثمن ما حققته المنطقة من إنجازات على مدار الثلاثون عام الماضية حيث كشفت عمليات المراجعة الاقليمية لبرنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية عن التقدم المحرز في العديد من الجوانب والاهداف