في بداية أغسطس 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعيين نجم المصارعة الأسطوري “تريبل إتش” (بول مايكل ليفيسك) ضمن المجلس الرئاسي للرياضة والتغذية واللياقة البدنية، في خطوة تكرّس علاقة غير تقليدية بين أعلى منصب سياسي في البلاد وعالم المصارعة المحترف.

ويعد المجلس هيئة استشارية تقدم توصيات للرئيس بشأن السياسات الصحية والرياضية، وضمّ في تشكيلاته السابقة رياضيين بارزين، لكن اختيار شخصية من عالم “WWE” أثار تساؤلات حول طبيعة هذه العلاقة المتجذرة في تاريخ ترامب، والتي تمتد لأكثر من عقدين.

من حلبات المصارعة إلى البيت الأبيض

تعود صلة ترامب بعالم المصارعة إلى عام 2007، عندما ظهر شخصيًا في عرض “راسلمينيا 23” ضمن نزال حمل عنوان “صراع المليارديرات”، حيث دخل في مواجهة رمزية ضد فينس مكمان، مؤسس اتحاد “WWE”.

اختار ترامب المصارع بوبي لاشلي لتمثيله، بينما مثل مكمان المصارع الراحل أوماجا، وانتهت المباراة بفوز لاشلي، مما أتاح لترامب حلاقة شعر مكمان في مشهد طريف أصبح أحد أشهر اللحظات في تاريخ العروض.

هذه المشاركة لم تكن مجرد حدث ترفيهي عابر، بل أسست لتحالف استراتيجي تجلى لاحقًا في تعيين ليندا مكمان (زوجة فينس) وزيرةً للتعليم في إدارته عام 2017، ثم في منصب آخر بفترته الرئاسية الحالية.

عائلة مكمان.. جسر ترامب إلى “WWE”

لا يمكن فهم عمق علاقة ترامب بعالم المصارعة، دون التوقف عند عائلة مكمان، حيث يعد القوة الخفية وراء تحالفات ترامب في عالم المصارعة، فبعد تعيين تريبل إتش، حضرت ليندا مكمان حفل التوقيع في البيت الأبيض، مما يؤكد استمرار التحالف.

وتريبل إتش نفسه ليس مجرد نجم سابق، بل هو جزء من عائلة مكمان عبر زواجه من ستيفاني (ابنة فينس)، كما يشغل منصبًا إداريًا رفيعًا في “WWE” ، هذا التداخل بين المصالح الشخصية والسياسية يظهر كيف تحوّلت العلاقة من تعاون عرضي إلى شبكة نفوذ متبادل، حيث دعم ترامب عائلة مكمان بالمناصب الحكومية، بينما قدّم الاتحاد له منصة جماهيرية خلال حملاته الانتخابية.

أصدقاء ترامب في عالم المصارعة

استضاف ترامب  نجومًا كبارًا مثل “أندرتيكر” و”ستون كولد ستيف أوستن” في فعاليات حملاته الانتخابية، مستفيدًا من شعبيتهم لتعزيز صورته كشخصية “شعبوية” ترفض النخبوية التقليدية،  كما أن تعامله مع تريبل إتش يتجاوز التعيين الرسمي؛ فقد تبادل المزاح معه علنًا أثناء حفل التعيين، في إشارة إلى روابط صداقة شخصية، ما يعكس فهم ترامب لقوة “ثقافة البوب” في الوصول إلى الناخبين، حيث حوّل نجوم المصارعة إلى سفراء غير رسميين لخطابه السياسي.

ثقافة المصارعة في البيت الأبيض

لم تمر علاقة ترامب بالمصارعة دون انتقادات، بل وصلت ذروتها مع حادثة “بصق الماء” التي قام بها تريبل إتش عند مدخل البيت الأبيض بعد تعيينه مباشرة، وهي الحركة، التي اشتهر بها في حلبات المصارعة، والتي أثارت سخطًا واسعًا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث وصفها مغردون بـ”المقرفة” و”غير اللائقة” أمام رمز وطني، وجاءت تعليقات على وسائل التواصل  مثل “هذه ليست راسلمينيا!” ما يوضح صدامًا بين ثقافتين: الأولى تعتمد على الاستعراض والاستفزاز، والثانية تلتزم بصرامة المؤسسات الرئاسية،  وهذا الحادث يعدّ مثالًا على كيفية “استيراد” ترامب لأساليب عالم الترفيه إلى السياسة، مما يثير تساؤلات حول تأثير ذلك على هيبة المؤسسات.

ترامب واللياقة البدنية

على الرغم من تركيز ترامب على تعزيز اللياقة البدنية عبر المجلس الرئاسي، تظل علاقته الشخصية بالرياضة غامضة، فبينما يروّج لسياسات مثل إعادة اختبار اللياقة البدنية الرئاسي في المدارس، لم تُوثّق ممارسته المنتظمة لأي رياضة علنًا، باستثناء الإشارات إلى لعبه الغولف بين الحين والآخر، وهو تناقض يسلط الضوء على فجوة بين خطابه كرئيس يدعم الصحة، وصورته كشخص يبلغ 79 عامًا بعادات غير معروفة في هذا المجال، مما يضعف مصداقية مبادرات المجلس لدى بعض المراقبين.

هل تحوّلت السياسة إلى حلبة مصارعة؟

تقدم علاقة ترامب بالمصارعة نموذجًا فريدًا لاختفاء الحدود بين السياسة والترفيه في أمريكا المعاصرة. فمن حلبات “WWE” إلى أروقة البيت الأبيض، تحوّلت الاستراتيجيات التي تعتمد على الإثارة والصراع الدرامي إلى جزء من أدوات الخطاب السياسي، كما ظهر في خطاب ترامب بعد تعيين تريبل إتش: “هل أنتم مستعدون لجعل أميركا تستعيد لياقتها؟” – وهي عبارة تستحضر شعارات المصارعة الترويجية، وهذا المسار يطرح سؤالًا جوهريًا: هل يعكس تعيين نجوم مثل تريبل إتش رغبة في توظيف الشعبية الجماهيرية لخدمة أهداف صحية مشروعة، أم أنه تحويل للمؤسسات الرئاسية إلى مجرد حلبة للعروض؟

الجدل مستمر، لكن المؤكد أن هذه العلاقة ستُختبر بمدى نجاح المجلس في تحقيق أهدافه المعلنة: تحسين الصحة العامة للأمريكيين. فإذا فشل تريبل إتش – بصفته “وجه الحملة” – في إحداث تغيير ملموس، فقد تتحول هذه الفصلية السياسية-الترفيهية إلى مجرد حلقة أخرى في سلسلة صراعات زائفة

Loading

By عبد الرحمن شاهين

مدير الموقع الإلكتروني لجريدة الأوسط العالمية نيوز مقدم برنامج اِلإشارة خضراء على راديو عبش حياتك المنسق الإعلامي للتعليم الفني