كتب _ عبدالصابر السماني

مولد كريمة الدارين السيدة نفيسة العلوم. رضي الله عنها وأرضاها .
عطر قلبك بقراءة صفحات من حياة كريمة الدارين السيدة نفيسة حفيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم … إنها السيدة نفيسة العلوم والمعرفة رضي الله عنها وأرضاها فاللهم إنفعنا بعلمها وسيرتها ومسيرتها في الدنيا ولا تحرمنا أجرها يوم القيامة ..
يوم لا ينفع مال ولا بنون . إلا من أتى الله بقلب سليم .

– ( موقع مقامها الذي لم يختلف على مكانه أحد ).
——————————
من بين أهم أسرار البركة وعظيم النفحات أن قبر ومقام مسجد سيدتنا نفيسة العلوم بمدينة القاهرة هو الموقع الوحيد الذي أجمع العلماء على أن هذا المكان الطاهر كان بيتها ومجلس علمها وقبرها ومقامها الذي نعرفه جميعاً ولم يختلف على ذلك أحد في العالم العربي أو الإسلامي كما نسمع ونرى الخلافات في الرأي والرؤى حول مكان قبور ومقامات بعض آل بيت رسول الله الكرام … فمثلاً تجد مقاماً للسيدة زينب حفيدة سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها وأرضاها .. تجد لها مقاماً في القاهرة ومقاماً في سوريا وآخر في العراق … وكذلك مولانا الإمام الحسين بن على بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه .. وربما يرجع ذلك إلى حب الناس الشديد لأهل بيت رسول الله عليه أفضل الصلاة وأتم السلام .. ورضي الله عن جميع آل بيته الكرام ..
وهكذا قبوراً طاهرة متعددة لآل البيت الكرام إختلفت الأراء ( حُباً ) حول مكان وجودها .. ( ماعدا ) قبر ومقام كريمة الدارين نفيسة العلوم رضي الله عنها وأرضاها .
ولمن لم يسعد بزيارة مقامها الطاهر والصلاة فيه حتى الآن .. أقول له حتى تكون موصول سأصف لك طريقة الوصول … فعن طريق كورنيش النيل بفم الخليج وعن طريق ميدان السيدة عائشة وعن طريق شارع القصر العيني بإتجاه مزلقان زينهم خلف مصلحة الطب الشرعي ومن ميدان القلعة …. من كل هذه الأماكن وغيرها تستطيع الوصول في ( دقائق معدودة ) إلى حضرة مقام السيدة نفيسة العلوم رضي الله عنها وأرضاها … ولكن قبل زيارة المقام .. تعرّف أولاً على صاحبة المقام .
– ( شجرة النسب الطاهر لسيدتنا نفيسة العلوم رضي الله عنها وأرضاها ) .
——————————
هي نفيسة بنت الحسن الأنور بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ( إبن عم ) رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد ولدت بمدينة مكة المكرمة يوم 11 ربيع أول سنة 145 هجرية ثم إنتقلت مع والدها إلى المدينة المنورة وهناك لازمت الروضة المطهرة في المسجد النبوي الشريف حيث تلقت علومها في القرآن الكريم والفقه والحديث على يد كبار التابعين لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما أدت فريضة الحج ( ثلاثين مرة ) .. ( سيراً على قدميها الطاهرة ) فكانت نموزجاً فذاً في العلم والتقوى والخشية من الله
وفي عام 161 من الهجرة المشرفة زوّجها أبوها من رجل تقي يلقبه الناس
( بإسحاق المؤتمن ) وهو إسحاق بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب ( إبن عم ) رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن آل بيته الكرام أجمعين .
وقد كان والدها والياً على المدينة المنورة في عصر الدولة العباسية ولكن الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور غضب عليه وعزله ، فأخذ إبنته نفيسة العلوم وزوجها ورحلوا جميعاً إلى مصر .

( وصول السيدة نفيسة العلوم إلى مصر ) .
——————————
وفي يوم 26 رمضان سنة 193 هجرية وصل الركب الطاهر من آل بيت رسول الله الكرام إلى مصر فإستقبلهم أهل الفسطاط بالقاهرة بحفاوة وحب وتقدير وإجلال عظيم حيث نزلت السيدة نفيسة ووالدها وزوجها ضيوفاً على بيت سيدة تدعى أم هانئ في بيتها الذي عُرف بعد ذلك بهذا الإسم .
لكن حب الناس الكبير لآل بيت النبوة الكرام وحفيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلهم يتوافدون فرادى وجماعات ليلاً ونهاراً على منزل السيدة نفيسة العلوم في دار ضيافتها ببيت أم هانئ للتبرك بها والإستفادة من علمها حتى أن السيدة نفيسة كريمة الدارين خشيت من أن يشغلها ذلك التزاحم عن ذكرها وأورادها وتفاصيل أسرارها مع الله … وقد إستمر هذا التزاحم وكثرة زيارات المحبين والمريدين لنيل البركة من حفيدة النبي الكريم ، حتى أنها خرجت ذات يوم وقالت للناس :
{ إني كنت قد إعتزمت المقام عندكم غير أني إمرأة ضعيفة وقد تكاثر حولي الناس فشغلوني عن أورادي وجمع زاد معادي وقد زاد حنيني إلى روضة جدي المصطفى } .. ولما سمع الناس ذلك فزعوا ووضعوا أيديهم على قلوبهم خوفاً من أن تتركهم حفيدة رسول الله وتعود إلى المدينة المنورة مرة أخرى .. فما كان من الوالي السري بن الحكم إلا أن تدخل لتنظيم أمر مواعيد زيارات الناس لحفيدة بيت النبوة وأمر لها ببيت مستقل وكبير يكون منزلاً ومجلساً للعلم وأن يقتصر توافد الناس على بيتها .. يومان في الأسبوع فقط حتى لا يشغلها الناس عن عباداتها و نسكها لله تعالى .. وقد رضيت بذلك رضي الله عنها وبقيت في مصر خمسة عشر عاماً … تعلم وتعظ وتهدي الناس في مجلسها وبيتها الكبير …
( قبرها ومقامها الذي تراه في الصورة أمامك الآن ) .
– ( السر في وصية كثير من الناس أن يُصلى عليهم في مسجد السيدة نفيسة ) .
وكان مجلس علم السيدة نفيسة العلوم يضم كبارالأئمة والعلماء ومن أبرزهم الإمام الشافعي رضي الله عنه إمام المذهب الشافعي حيث كان ( يتعلم ) في مجلس السيدة نفيسة .. ثم ينتقل ( ليُعلم ) الناس في مجلسه بالفسطاط …. وقد أوصى الإمام الشافعي قبيل وفاته بأن تصلي عليه السيدة نفيسة وعندما توفي رضي الله عنه سنة 204 هجرية قامت السيدة نفيسة بالصلاة عليه ( مأمومة ) خلف الإمام يعقوب البويطي .
وقد يفسر ذلك سر ما توارثته الأجيال حول محافظة الكثير من الناس على ( التوصية ) لأهلهم ( وأنا منهم ) بأن يُصلىّ عليهم بعد موتهم في مسجد نفيسة العلوم المباركة حفيدة حبيب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
ولعلك لاحظت ذلك وأنت تصلي في مسجد كريمة الدارين نفيسة العلم رضي الله عنها وأرضاها وذلك من كثرة عدد ( نعوش الموتى ) التي تقام عليها صلاة الجنازة يومياً وخاصة عقب صلاة الجمعة حتى أن أهل أي متوفى قد يختلط عليهم نعش فقيدهم من بين عشرات النعوش للأرواح الطالبة لرحمة ربها وعفوه … وذلك إن لم يكونوا على درجة كبيرة من التركيز وسط زحام المشيعيين وتعدد النعوش التي تكاد تغطي نصف مساحة المسجد في هذه البقعة الطاهرة المطهرة .

– ( هذا ما كتبته السيدة نفيسة لحاكم مصر أحمد إبن طولون ) .
وكانت رضي الله عنها للناس جميعاً الحصن والملاذ حتى أن بعض عامة الناس قد إستنجدوا بها من إستبداد وظلم حاكم مصر آنذاك أحمد بن طولون فطلبت منهم أن يحددوا لها موعد مرور ركابه فأجابوها فأحضرت رقعة وكتبت ( مظلمة ) بالغة العجب تنم عن شجاعتها ورباطة جأشها وقوتها في قول كلمة الحق ، ثم وقفت بها على طريق مرور موكب حاكم مصر في الموعد المحدد وعندما رأها أحمد بن طولون عرفها فنزل عن فرسه مترجلاً وتسلم من السيدة نفيسة الرسالة وراح يقرأها فإذا هي رضي الله عنها قد كتبت للحاكم تقول :
{ ملكتم فأسرتم .. وقدرتم فقهرتم .. وخُولتم ففسقتم .. ورُدت إليكم الأرزاق فقطعتم … هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نفّاذة غير مُخطئةلاسيما من قلوب أوجعتموها .. وأكباد جوعتموها .. وأجساد عريتموها .
ومُحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم .
وما إن فرغ حاكم مصر أحمد بن طولون من قراءة ما كتبته حفيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إقشعر جسده وفزع من هول ما قرأ وعاد فأمر برفع الظلم عن الناس وإلتزام الرفق بهم وظل على ذلك إلى أن لقي ربه .
( محبة أهل مصر لأهل البيت الكرام ) .
ولهذا تعلقت قلوب كل أهل مصر حباً وتعظيماً لمقام السيدة نفيسة العلوم رضي الله عنها وأرضاها ، فقد كانت لهم الأهل والسند وبحر العلوم النافعة في الدنيا والآخرة طوال خمسة عشر عاما قضتها بين أهل مصر أحباب آل البيت .
ولذا فعندما توفيت السيدة نفيسة إلى رحمة الله تعالى سنة 208 هجرية . تسابق أهل المدينة المنورة وأهل مصر ، كل يريد أن يدفنها في أرضه تبركاً بكرامتها وعظم مكانة جدها رسول الله صلى الله عليه وسلم … حتى أن أهل المدينة المنورة قد جمعوا الكثير من الذهب والمال ودفعوا به إلى زوجها إسحاق المؤتمن ليُحضر جثمانها الطاهر لدفنه بالبقيع بجوار جدها صلى الله عليه وسلم ، ولكن أهل مصر الذين أحبوها حباً يفوق الوصف جعلهم يتمسكون بدفنها في مصر .. وبينما هم على ذلك إذ رأى زوجها إسحاق المؤتمن رؤية في منامه لجدها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له : دع نفيسة لأهل مصر فإن البركة تتنزل عليهم ببركة وجودها بينهم . فصدّق زوجها أمر الرؤيا المشرفة وقال لأهل المدينة : { إتركوا ( نفيسة ) لأهل مصر .. فإنها لهم حصن } .
فاللهم لا تحرمنا أجرها ولا تفتنا بعدها … ورضي الله عن سيدتنا نفيسة العلوم وعن جميع آل البيت الكرام وصلى الله وسلم على سيدنا محمد خير الأنام .. عليه أفضل الصلاة وأتم السلام .

Loading

By عبد الرحمن شاهين

مدير الموقع الإلكتروني لجريدة الأوسط العالمية نيوز مقدم برنامج اِلإشارة خضراء على راديو عبش حياتك المنسق الإعلامي للتعليم الفني