كتب _ عبدالرحمن شاهين

أصبح «تيك توك» منصة ترفيهية تتحول تدريجياً إلى مصنع واسع للتفاهة والانحطاط، حيث يُمكن لأي شخص أن يحقق شهرة بسرعة بمجرد صراخ أو حركة مثيرة أثناء البث المباشر، ليحصل بذلك على هدايا رقمية تُعتبر شرفاً، بينما هي في الواقع مجرد فضلات تُلقى للعقول الفارغة.

تُولد النجومية الآن في بيئات عادية مثل الأسرّة والمقاهي، وعبر بثّ مباشر مليء بالضجيج والتكرار – “اكبس اكبس”. ويخرج من هذه اللحظات جيل جديد من النجوم المؤقتين، الذين لا يقدمون شيئًا ذا قيمة سوى استفزاز التفاعل واستدعاء الجدل، فيما يتحول «تيك توك» إلى منصة تمكن جميع أشكال التفاهة والانفلات.

يستغرق أكثر من 40 مليون مصري وقتًا كبيرًا بقدر ساعة أو أكثر يوميًا في استهلاك محتوى سطحي، 60% من هذا المحتوى يفتقر لأي قيمة تعليمية أو فنية، ويتضمن رقصات فارغة ومقالب سخيفة، مما يحول البث المباشر إلى وسيلة لبيع الوقت والعقل مقابل هدايا رقمية تتحول في النهاية إلى أموال بلا رقابة.

الخطر الحقيقي في «تيك توك» ليس فقط في ضياع الوقت، بل في أنه يسحب المستخدمين من واقعهم ليحبسهم داخل شاشة صغيرة تُغير أولوياتهم وتعيد برمجة عقولهم لرؤية الحياة كمشاهد متقطعة تفتقر للسياق والعمق. في هذا العالم السريع، تختفي القدرة على التحمل وتموت التأمل، بينما تُختصر القضايا الكبرى إلى «تريند» يختفي بعد ساعات.

تعيد المنصة تشكيل الذوق العام لتصبح قيمته أقل وأسرع، حيث لا يرضي الجمهور بمشاهدة أفكار بل يفضل أن يرى صراخًا ورقصًا، مُستبدلاً كل ما هو شخصي مقابل نقاط شهرة قصيرة. إنها حرب أخلاقية تُهدد أجيال كاملة.

ورغم أن الدعوات للحظر الكامل قد تكون جذابة، إلا أنها تواجه حقيقة عالم رقمي مفتوح يُمكن فيه تجاوز الحجب عبر برامج “في بي إن”. وبالتالي، الحل الأكثر واقعية هو تنظيم ذكي يتضمن رقابة فعالة على التريندات ويسمح بالمساءلة عبر غرامات وعقوبات لكل من يهبط بالقيم العامة أو يستغل المنصة لانتشار السلوكيات السلبية.

«تيك توك» لا يكتفي بإضاعة الوقت، بل يُعيد برمجة عقول المستخدمين على نمط استهلاكي سريع، بلا وقت للتفكير أو التأمل. تُنتج المنصة جيلًا يعتمد على الفتات الرقمي، دائم الجوع إلى المزيد بينما يكافح مع فراغ داخلي. وإذا لم نكسر هذه الحلقة المفرغة، سنجد أنفسنا أمام أمة تحتفي بالتفاهة وتتجاهل كل ما هو عميق وذو قيمة.

هذا صراع ضد عقلية تقلل من قيمة الحياة إلى مقاطع قصيرة، وتختزل قيمة الإنسان إلى عدد “اللايكات”. وإذا تأخرنا في اتخاذ خطواتنا الآن، سنستيقظ غدًا على جيل تتحدث بلغة «الكبس»، وقد فقد القدرة على استخدام عقلهم وضميرهم.

Loading

By عبد الرحمن شاهين

مدير الموقع الإلكتروني لجريدة الأوسط العالمية نيوز مقدم برنامج اِلإشارة خضراء على راديو عبش حياتك المنسق الإعلامي للتعليم الفني