متابعة _ عبدالرحمن شاهين
في مثل هذا اليوم 20 فبراير عام 1951 صدر الأمر الملكى بالقانون 68 لسنة 1951 بإلغاء البغاء فى مصر وفرض عقوبات على ممارسيها وأصحاب بيوتها.
وبهذا القرار تم إلغاء هذه المهنة المشينة التي ظهرت في مصر مع قدوم الحملة الفرنسية فى أواخر القرن السابع عشر، وتم تقنينها في عهد محمد على الذى أبقى على ضريبة البغاء، ثم ألغاها عام 1837.
وبدأ البغاء في الخضوع للتنظيم والتسجيل منذ تطبيق اللائحة التي سميت بتعليمات بيوت العاهرات التي استمر العمل بها حتى ألغيت نهائيًا عام 1949.
صدور لائحة البغاء
ففى عهد الخديو عباس حلمي عام 1905 صدرت لائحة البغاء التي تضم 15 بندا تحدد رخصا للممارسات والبيوت وكيفية جمع الضريبة وأماكن تواجد الممارسات، مثل لائحة السجون وبذلك تم تقنين البغاء وخضوعه لإشراف الحكومة.
نائب برلماني صعيدي السبب
في السنوات الأولى من القرن العشرين كانت هناك شوارع بأكملها تشتهر بوجود بيوت البغاء مثل شوارع بولاق وكلوت بك ومنطقة باب الشعرية، مما أثار غيرة النائب البرلمانى الصعيدى سيد جلال عن دائرة باب الشعرية التى تضم شارع كلوت بك معقل بيوت البغاء فى مصر وقتئذ، فتقدم باقتراح فى مجلس النواب بإلغاء بيوت البغاء في مصر إلا أنه لم يوافق عليه أحد، بل إنه هوجم في البرلمان هجوما شديدا.
كلوت بك يحارب البغاء
والغريب أن الطبيب الإنجليزى انطوان كلوت بك الذى حضر إلى مصر وكان يعمل على محاربة البغاء ويتهمه بالتسبب فى انتشار الأمراض السرية وكرمته الدولة المصرية وأطلقت اسمه على أحد شوارعها، أصبح هذا الشارع مقرا للعاهرات.
سيد جلال يقضى على البغاء فى مصر
ولإيمان النائب سيد جلال بقضيته وكما نشرت مجلة الهلال عام 1949، دبر مقلبا باستدعاء وزير الشئون جلال فهيم إلى شارع كلوت بك لافتتاح أحد المشروعات الخيرية، إلا إنه ما إن وضع قدمه فى الشارع حتى سارعت العاهرات إليه ظنا منهن أنه أحد الزبائن فسقط طربوش الوزير وتمزقت ملابسه فاستصدر أمرا عسكريا رقم 76 بإغلاق بيوت البغاء من مصر فى 20 فبراير 1949.
وتناول الأديب نجيب محفوظ فى الثلاثية وزقاق المدق واللص والكلاب وغيرها من رواياته نماذج لبيوت البغاء التى كانت منتشرة فى مصر، وحديثا أنتجت السينما المصرية أفلاما تحكى عن هذه البيوت مثل فيلم درب الهوى الذى منعته الرقابة من العرض.
دار خاصة للتائبات
وكان نتيجة الأمر خروج 700 عاهرة إلى الشارع تبحث عن لقمة العيش، فتبنى مجلس الوزراء قرارا بأن يعهد إلى جمعية مصر لحماية المرأة والطفل التابعة للاتحاد النسائى الذى أسسته هدى شعراوى مهمة الإشراف على ضحايا الأمر العسكرى، إلا أن ما حدث أن دار التائبات التى أقامتها الجمعية بجوار ليمان طرة لهؤلاء لم تستقبل واحدة من البغايا ولم تحاول الحكومة البحث عنهن.
وفى عام 1933 وقعت مصر معاهدات دولية فى باريس وجنيف خاصة بمكافحة الاتجار بالرقيق الأبيض ومحاربة الفجور والدعارة،فأوقفت مصر عملية منح رخص جديدة للعاهرات، وبدأت الحكومة المصرية تفكر فى إلغاء الدعارة حتى جاء الإلغاء نهائيا عام 1949.
جريدة مصر تهاجم القرار
وهاجمت الصحف قرار إلغاء البغاء، وتزعم الكاتب الصحفى سلامة موسى (رحل عام 1958) الهجوم بمقالات ساخنة بجريدة مصر التى يرأس تحريرها بحجة العودة لممارسة البغاء فى السر بدون رقابة أو تفتيش وما يترتب عليه من انتشار الأمراض السرية.
ورد النائب سيد جلال عليه أنه على كل مؤيد للبغاء التقدم بخمس سيدات من أسرته لممارسة البغاء فكف سلامة موسى عن الهجوم على القرار.
وصدر القرار العسكري عام 1949 بمنع البغاء في مصر، وتبعه قانون رقم 68 لعام 1951 الذى كان علامة فارقة في تاريخ البغاء في مصر؛ فقد نصت المادة التاسعة منه على معاقبة كل من اعتاد الفجور أو الدعارة، بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن 25 جنيها ولا تزيد على 300 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وكانت هذه أول مرة في تاريخ البغاء تأتي فجور الذكور (أي دعارة الذكور)، إلى جانب بغاء النساء، واعتبار تسهيل الدعارة جريمة يعاقب عليها القانون أيضا.