بقلم : زكريا كرش
الطائرة المدنية الرابعة تترجّل عن السماء، ولكن ليس في مطار أو بحفل تقاعد لائق، بل على طريقة الطائرات الحربية… بالنار والرماد.
هكذا أسدل الستار على آخر ما تبقّى من أسطول الخطوط الجوية اليمنية في مطار صنعاء، حيث ودّعت الطائرات الأربع وطنها لا عبر الرحلات، بل عبر اللهب والدخان. من رموز للسيادة الوطنية، إلى كتل محترقة من الإهمال والعناد السياسي.
بتدمير آخر طائرة، بات اليمني يحلق في فضاءٍ بلا جناحين تقريبًا، أو بجناح واحد مكسور الأمل. فهل يستمر هذا الجناح الضعيف في التحليق؟ أم أنه سينهار مع أول عاصفة، كما انهارت قبله مطارات وأحلام وبلاد؟
قبل أيام قليلة، تحوّلت ثلاث من طائرات الخطوط الجوية اليمنية إلى ركام محترق في مطار صنعاء الخاضع للحوثيين، وتبقت طائرة واحدة فقط، لكنها للأسف لحقت بمصير سابقاتها اليوم، لتصبح جميع الطائرات الأربع مجرد هياكل محترقة، شاهدة على واقع مرير.
كان من الممكن إنقاذ الطائرة الرابعة بنقل عملياتها إلى مطار عدن، وتوفير خدمة النقل الجوي التي يحتاجها المواطن اليمني بشدة، لكن جماعة الحوثي اختارت العكس، بإصرارهم المتعنت على إبقاء مطار صنعاء هو الخيار الوحيد، حتى لو أدى ذلك إلى دمار كل ما تبقى من البنية التحتية الجوية.
هذا الإصرار لا يبدو بريئًا، بل يعكس نوايا مبيتة؛ فهم لا يبالون بمصالح الناس أو بحياة المدنيين، بقدر ما يسعون لخلق سيناريو يُمكن أن تستغله إسرائيل أو غيرها في قصف مطار صنعاء أثناء وجود الطائرات والمسافرين، لتتحول الحادثة لاحقًا إلى مادة للإدانة السياسية. إنه تكتيك قائم على استثمار المعاناة والدماء لخدمة أجندة ضيقة.
منذ أن وضعت هذه الجماعة يدها على مقدرات اليمن، لم يسلم شيء من الدمار: لا طائرات، لا مطارات، ولا حتى الأرواح. لقد احتجزوا الطائرات منذ أكثر من عام، والآن دمروها بالكامل، غير مبالين بثمن ذلك على الوطن والمواطن.
فلماذا نستغرب الدمار الذي لحق بأربع طائرات؟ منذ سيطرتهم على البلاد، دُمّر كل جميل فيها. كل ما طاله نفوذهم تهاوى، وكأن لعنة الحروب والخراب تمشي على خطاهم، فلا يبقى شيء إلا ويفقد قيمته.
“لقد احترقت الطائرات، نعم… لكن ما يحترق كل يوم هو هذا الوطن على أيدي من لا يعرفون قدره، ولا يعبأون بمستقبل شعبه. والعار، كل العار، لأولئك الذين يصرّون على أن يكونوا وقودًا في معركة ضد الوطن ذاته.