كتبت لمياء كرم
تحتاج السعودية إلى أسعار نفط أعلى من أجل تنويع موارد اقتصادها بدلا من الاعتماد الكلي على تصدير النفط الخام إلى الخارج، الذي كان السمة الرئيسية على مدار عقود، ولعل ذلك ما حفز استراتيجية المملكة 2030.
من هذا المنطلق، قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إن برنامجا بتريليونات الدولارات، يستهدف تنويع مصادر الدخل، سيتطلب أن تقلص شركات تابعة للدولة توزيعات الأرباح التي تدفعها للحكومة من أجل تعزيز الإنفاق الرأسمالي.
ولم يتضح بعد حجم خفض توزيعات شركات مثل مجموعة “أرامكو السعودية” للنفط، التي بلغت توزيعات أرباحها 75 مليار دولار العام الماضي، وكانت أساسية في دعم إيرادات الدولة. في الجهة المقابلة يقول محللون إن أي تقليص في توزيعات الأرباح الداعمة لموارد الدولة يتطلب تعويضا على الأرجح من أسعار نفط أعلى، بحسب تقرير لوكالة “رويترز”.
عجز الإيرادات
جان ميشيل صليبا، اقتصادي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى “بنك أوف أمريكا”، قال في مذكرة بحثية: “إذا خُفضت التوزيعات، فسيدعم سعر أعلى للنفط تحويلات أرامكو إلى الدولة عبر الضرائب ورسوم الامتياز كبديل”.
هذا يعني أن إيرادات النفط ستكون في قلب استراتيجية المملكة التي تستهدف إنفاقا محليا يبلغ 27 تريليون ريال (7.2 تريليون دولار) بحلول 2030. فيما يعني حجم خطة الاستثمار أن السعودية، أكبر منتج في أوبك، قد تحتاج إلى كبح الإمدادات خلال السنوات المقبلة لدعم أسعار النفط.
في هذا السياق، أشارت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين لدى بنك أبوظبي التجاري، إن هذا الاتجاه كان ملحوظا بالفعل في أوائل عام 2021 مع تنفيذ المملكة تخفيضات إنتاج طوعية كبيرة، وإبقائها الإنتاج ثابتا في أبريل/ نيسان(الأمر الذي حافظ على أسعار النفط مرتفعة نسبيا).
وأضافت مالك: “تمكنت السعودية من الإبقاء على تماسك مجموعة أوبك+ حتى الآن، لكن كانت هناك بعض المؤشرات على ضغط داخلي وخارجي أكبر لزيادة إنتاج المجموعة من مايو أيار”.
لكن متحدث باسم وزارة المالية السعودية قال إن لدى المملكة و”أوبك+” رؤى للوقت الحالي وللمدى الطويل بشأن إبقاء أسعار النفط مستقرة بما يضمن مصلحة جميع الأطراف المعنية، وإنهما ستواصلان التعامل مع الأحداث العالمية ومشاكل الإمداد والطلب بما يتفق مع هذا الهدف.
هيكلة الإنفاق
بعد تضررها كثيرا من انخفاض إيرادات الخام وأزمة فيروس كورونا العام الماضي، خفضت الحكومة السعودية ميزانيتها للعام 2021 نحو 7% لكبح العجز الذي زاد إلى 3 أمثاله تقريبا العام الماضي، ليبلغ 12% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ4.5% في عام 2019.
كما تعتزم الرياض خفض المصروفات إلى 941 مليار ريال في 2023 من 990 مليارا هذا العام، وبالتالي فإن هدف الأمير لإنفاق حكومي يبلغ 10 تريليونات ريال بين 2021 و2030 يشير إلى أن إنفاق العام الجاري سيظل دون تغير في المتوسط على مدار السنوات العشر القادمة، وربما يؤدي ذلك إلى ضغوط على خزينة الدولة.
تتوقع وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية عجزا ماليا نحو 40 مليار دولار هذا العام، على افتراض سعر نفط 59 دولارا للبرميل في المتوسط، ومتوسط إنتاج 8.7 مليون برميل يوميا وإنفاق تريليون ريال.
ال كريسيانيس كروستينس المدير في فريق التصنيفات السيادية لدى فيتش إن الحكومة ستحتاج سعرا للنفط عند 76 دولارا للبرميل لضبط ميزانيتها هذا العام، لكن في ظل سياسة التوزيعات الحالية، ومع تعافي الإنتاج، قد ينخفض السعر الذي يحقق تعادل الإيرادات والمصروفات إلى نحو 60 دولارا للبرميل.
لذا يبدو من الواضح أن تحقيق خطط الإنفاق تلك، مع قبول خفض في توزيعات أرباح أرامكو، يتطلب أن تجني الحكومة إيرادات غير نفطية أعلى أو أسعارا (أو حتى إنتاجا) أكبر للنفط أو إدخال بعض التعديلات على هدفها للتوزان المالي بحلول 202، بحسب كروستينس.
بلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر العام الماضي 5.5 مليار دولار، لكن الخطة التي أعلن ولي العهد خطوطها العريضة تتوقع تدفقات من الاستثمارات الأجنبية المباشرة تتجاوز 500 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة.
ويقول صليبا من “بنك أوف أمريكا” إنه “حتى لو نحينا هذا جانبا، فإن تحقيق أهداف الاستثمار المحلي سيكون صعبا. يبدو أن القسم الأكبر من برنامج الاستثمار سيضم القطاع العام بمفهومه الأوسع (مثل صندوق الاستثمارات العامة وأرامكو السعودية وسابك)، لكن تظل هناك فجوة تمويل”.
قال صندوق الاستثمارات العامة، سابقا، إنه يستهدف استثمارات سنوية 150 مليار ريال بين 2021 و2025. وتمديد هذا المعدل حتى 2030 سيرفع استثمارات الصندوق الإجمالية إلى 1.5 تريليون ريال بين 2021 و2030.
يشير هذا إلى أن استثمارات صندوق الاستثمارات العامة ستحتاج لأن تصل إلى ضعفيها حتى تبلغ مستوى الثلاثة تريليونات ريال، وهو هدف يبدو طموحا للغاية من وجهة نظر “بنك أوف أمريكا”.