كتب _ زكريا كرش

لكل شخص في هذه الحياة أحلامه الخاصة وأنا وغيري الكثير من الشباب “اليمني” والعربي وعلى وجه الخصوص (اليمني) حلمنا البحث عن وطن بعدما اصبح وطننا مدمرًا ومنهار.

لكن البحث عن وطن لن يكون سهلًا فقد يستغرق ذلك شهورًا وأحياناً عدة سنوات كما هو الحال معي.
إن طريق البحث.. يتطلب الكثير من المال ومليئ بالصعاب والخطورة تصل خطورته احيانًا الى الموت.

كل أحداث المهاجرين ستكون متشابهة فالطريق واحد، والجميع سيعاني من إنتهاء، الأكل والماء وإضاعة الطريق وإنتهاء شحن الهواتف.

سيكون في طريقهم الكثير من المواجهات ابرزها مواجة الموت في صعود الجبال ونزلوها والإرهاق والتسمم الخ..
ايضًا مواجهة اليأس الذي قد يصيبك بين الحين والآخر كلما تقطعت بك السبل وما أصعب مواجهة اليأس في ظروف صعبة كرحلة البحث عن وطن.

تبدأ رحلة البحث عن أوطان من بلدان عدة أبرزها (تركيا) سأذكر بعض أحداث طريق تركيا كون رحلتي بدأت برًا من هناك.

ما أقساها الحياة عندما تعطيك خيارات افضلها مُر.
الأول رحلة البحث عن وطن ويتوجب عليك في هذه الحالة ان تكون مستعدًا من جميع النواحي
المعنوية، والمادية والصحية وإن تكون جاهزًا لكل حدث سيحدث فقد تنجح وقد تفشل، قد تعود سالمًا لكنك تحمل خفي حنين مهزوم ومعنف جسديًا ومعنويًا او قد تعود جثة هامدة تحمل الى مثواها الأخير.

وأما الخيار الثاني فهو الاستسلام قبل بدأ رحلتك والعودة الى بلدك الأم ومواجهة مصيرك الذي قد يكون احيانًا أشد قسوة من البحث عن وطن كونك ستعود الى بلدك وتعيش فيه وكأنك غريب فالوطن يرثى حاله وتحكمه جماعات تتغذى على مأساة شعبها.

وأما الثالث فالسفر الى بلد آخر غير أوروبي تعيش فيه بلا أمل بلا حلم بلا هدف فقط تنتظر شفقة الآخرين عليك بقليلًا من المال ومأوى يحميك من عواصف الحياة القاسية فكثير من البلدان العربية تعج بالبطالة وأخرى دخولها شبه مستحيلة وصعبة المنال.

لقد اخترت انا الخيار الأول وأمضيت أبحث عن وطن متقبلًا ما سيحدث ومستعد له قدر الإمكان.
انطلقت وكلي أمل بالتوفيق وإن لا اعود قسرًا الى نقطة البداية والرجوع للخيار الثاني او الثالث الذي فضلت الموت على اللجوء إليه ففكرة البحث دامت بالنسبة لي حوالي الخمس سنوات وأكثر منذُ إندلاع الحرب باليمن قضيتها خارج بلدي أبحث وأبحث دون كلل او ملل وعندما جاءت الفرصة الأولى قررت ان لا أتراجع ابدًا فالموت وأنت تقاتل من أجل حلمك أفضل من العيش وأنت مستسلم للحياة فاقدًا شغفك وطموحاتك.

حزمت أمتعتي أنا وبعض رفقاء الرحلة ونطلقنا نحو أهدافنا وأحلامنا.
مكثنا نصف يوم على النهر الفاصل بين تركيا واليونان قبل الدخول الى أول امتحان حقيقي وهو العبور بسلام نحو الهدف المنشود.

أتى الصباح سريعًا وكأننا على موعد مع معركة تكون او لا تكون تقدم مجموعة من الشباب من جنسيات أخرى وركبوا البلم الهوائي لقطع النهر متجهين نحو الأراضي اليونانية وما هي الا بضع دقائق حتى جاء دورنا للركوب ركبنا القارب وكانت المياة تأخذنا يمينًا وشمالًا ونحن ستة أشخاص داخل البلم.
لقد كان الخوف من العودة أكبر من الغرق او مما سيحدث لنا أن تم الإمساك بنا فنحن على دراية انه سيتم تعنيفنا جسديًا وتشليح كل ما بحوزنتنا ان تم الإمساك بنا ولكننا رغم ذلك اكملنا.
أمامنا هدف ونريد الوصول إليه مهما كلف الثمن.
سيقول البعض أنها مجازفة وتهلكة ولكن ما مررنا به أشد قسوة، فالحياة لن تعطيك شيء مالم تسعى إليه.

دخلنا الجزء الأول من الجانب اليوناني بعد النهر ونتظرنا هناك وسط الأشجار من الصباح حتى الساعة التاسعة مساءً.
حان وقت التحرك.
هل الجميع جاهز؟
:-نعم جاهزون.
بدأنا بالتحرك واحد تلو الآخر نركض وكأننا في سباق مع الزمن.

انفصلنا عن إثنين من رفقائنا ولكننا تواصلنا معهم وتم الإتفاق على اللقاء في نقطة معينة ،لكن للأسف حدث ما كنا نخشاه تم الإمساك برفقائنا الإثنين من قبل حرس الحدود اليوناني وتمت إعادتهم الى الجانب التركي بعد ضربهم وتشليحهم كل ما بحوزتهم حسب ما وصلني منهم بعد عودتهم.

اكملت طريقي انا ورفيقي الذي استطعنا النفاذ عبرنا مسرعين لا صوت لا ضوء فقط انفاسنا تكاد تتوقف من شدة الركض.
واجهتنا صعوبات عدة ابرزها نوع جهازنا الضعيف الذي لم يكن مناسبًا لكنه كل ما تبقى لنا فهو املنا الوحيد بعد الله لإكمال طريق رحلتنا فهواتفنا الحديثة للأسف كانت مع رفقائنا فقد تم الإمساك بهم وفقدوها جميعها.

وضعنا أمام تحدٍ جديد وهو إكمال الطريق بالهاتف المتبقي معنا معتمدين على شروق الشمس وغروبها.
تهنا كثيرًا اول أيام رحلتنا وعطشنا حتى الهلاك.
خمسة ايام قضيناها حتى وصلنا نقطة المياه الأولى البعض يصلها بيومين ولكننا بسبب ضياعنا وبسبب الهاتف الذي لم يساعدنا بتحدد نقاط الرحلة تأخرنا أكثر من اللازم ولكننا بعد عنا شديد وصلنا الى نقطة المياه.
كنا نركض بأتجاه الماء لا نعرف هي حقيقة ام خيال من شدة العطش.
تركنا حقائبنا جانبًا وبدأنا بالشرب والضحكات تملى المكان من شدة الفرحة نسينا انفسنا للحظة وتذكرنا اننا في طريق خطر فخفظنا اصواتنا وستمرينا بالشرب وتخزين المياه عادت إلينا طاقتنا وأملينا قنايننا وذهب اليأس الذي كان قد تسلل الى قلوبنا.

يتبع باقي المقال في العدد القادم.

Loading

By عبد الرحمن شاهين

مدير الموقع الإلكتروني لجريدة الأوسط العالمية نيوز مقدم برنامج اِلإشارة خضراء على راديو عبش حياتك المنسق الإعلامي للتعليم الفني