بقلم د. محمد عبدالستار المليجي

لقد سعدت أيما سعادة بمشاهدة حفل توقيع الدولة مع مستثمرين كبار لبدأ مشروع إسكان فاخر يسمي جيريان سيتم فيه فتح شريان من النيل ليمر خلاله. استمتعت بوصف المستثمرين الكبار للمشروع الذي سيجعل السكان يعيشون على ضفاف نيل جديد، ورأيت كيف سيكون في هذا المشروع مجموعة كبيرة من الاختيارات من حجرة واحدة بعدة ملايين او شقة بعشرات الملايين او فيلا بمئات الملايين اي ان المشروع والحمد لله يراعي حاجات الأغنياء من ذوي الدخول المحدودة.

ولكني شعرت بالمرارة وغياب العدل وسوء التقدير من الدولة حين تقيم مثل هذه المشاريع العقارية
وتدفع المليارات من اموال الشعب واستخدام النيل للسياحة للأغنياء وقد عجزت قريتي التى بها عشرون الف نسمة ويزيد عمرها عن خمسة آلاف عام ولديها خمسة آلاف فدان خصبة لم تتوقف عن الإنتاج يوما منذ فجر التاريخ ،وقد عجزت الدولة ان توفر لها طريق يصلها بالعالم حولها.

بل وتم تحويل الترع إلى انابيب مدفونة في الأرض بدلا من تعميقها وتنظيفها لتكون كما عهدناها ونحن أطفال زمان مصدرا للجمال والوحي للشعر والفن الذي وصف به ابناء الريف ومنهم خرج العلماء والفنانين والشعراء.

لقد جردت الدولة الريف من كل معالم الجمال بسبب سوء التخطيط وتحولت وجهتكم لخدمة الأغنياء في المدن. لا يمكن ان تتحول الدولة إلى تاجر عقار لجمع الملايين وتهمل وظائفها الأساسية لخدمة كل المواطنين. بالريف أيضا أغنياء ولكنهم يحتاجون إلى دعم الدولة.

قريتنا يا سيادة الرئيس ويا سيادة رئيس الوزراء خرجت علماء وخرجت كل المهن ولكنها لم تخرج وزيرا او لواء في الجيش لكي تحظي بنظرة عناية ليتم رصف طريق طوله ٢ كيلومتر يصلها بالعالم وكلما تم رصفه بصورة يطل منها الفساد المشترك بين من رصف ومن استلم انهار الطريق بعد عامين.

لا نعرف لمن نشكوا إلا لله ولماذا تهتم الدولة بالمدن وبالأثرباء بغض النظر عن مصادر اموالهم وتترك الفئة المنتجة الحقيقية في الريف وقد تحملوا كل صنوف الظلم ومع ذلك يظلون متشبثين بطين الأرض ويحلمون بالإنصاف يوم ما ولا يأتي أبدا.

تتحدثون عن حياة كريمة وعن النهوض بالريف وهو شيء جميل نراه في التلفزيون وندعوا الله ان يصل إلى كل القري يوما ما ولكن قريتنا تعمل بالجهود الذاتية ولا تجد نفسها على خريطة الحياة الكريمة بعد . هذا الطريق سرت عليه عندما كنت تلميذا من اكثر من ستين عاما مترجلا او راكبا لدابة لأصل إلى الزراعية او الطريق المرصوف وسار عليه اجدادي وكان حينها طريقا ترابيا جميلا يرش بالماء كل يوم وكافيا حتى كثرت السيارات بالقرية واصبح يئن من ضغط المواصلات وينهار كل عامين والدولة والمحافظة لا تنشغل بمثل هذه الأمور.

لا نطلب توقف مشاريع جريان أو أمثاله إذا كانت فيه مصلحة حقيقية للشعب ولكن لا بد ان تنظروا للشعب المنهك ماديا وصحيا ونفسيا الذي لا يبحث عن مساكن فاخرة وانهار وقصور بل يبحث فقط عن حياة شبه كريمة. الطريق والمدرسة والمستشفي والمصنع هم مسئولية الدولة وحق للمواطن مهما كان موقعه.

تري كم قرية مثل قريتي صندلا بمحافظة كفر الشيخ في شمال وجنوب مصر مازالت تحتاج مجرد طريق او ماسورة ماء او وحدة صحية وتنتظر عشرات السنين ولا يستجيب لها أحد والدولة مشغولة بالعاصمة الجديدة والطرق الفارهة بالمدن الكبري وان كانت بالفعل مطلوبة ولكن القري أيضا مهمة بل وأهم من المدن احيانا وتحتاج نفس العناية والاهتمام ليعم العدل في البلاد.

استاذ دكتور محمد عبد الستار المليجي
خبير زراعي دولي

يرجي مشاركة المقال لعلهم يسمعون

Loading

By عبد الرحمن شاهين

مدير الموقع الإلكتروني لجريدة الأوسط العالمية نيوز مقدم برنامج اِلإشارة خضراء على راديو عبش حياتك المنسق الإعلامي للتعليم الفني