✍️ بقلم الكاتب والسياسي سيد حسن الأسيوطي
تمرّ الذكرى على رحيل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، لتعيد إلى الأذهان صورة القائد الذي لم يكن مجرد رئيس، بل أيقونة العدالة الاجتماعية، رمز الكرامة الوطنية، وصوت الفقراء والمهمّشين.
حاولت بعض الأبواق — كهنة كل العصور، الشمشرجية، والسرسجية — النيل من سيرته وتشويه إرثه الثوري، خدمةً لمصالح ضيقة أو انحناءً أمام الإقطاع. لكن الحقيقة ثابتة، وذاكرة الشعوب لا تمحوها الدعاية المأجورة، فلا شيء يمحو إرث من صنع التاريخ بيده وإيمانه.
عبد الناصر لم يأتِ من قصور مترفة، بل خرج من قلب الشعب ليمنحه كرامة وحقوقًا افتقدها لعقود. أطلق التعليم المجاني، فوصل عدد المدارس الجديدة خلال عهده إلى أكثر من 18 ألف مدرسة، واستفاد ملايين الأطفال من التعليم الذي كان حكراً على النخبة سابقًا. كما فرض الإصلاح الزراعي، حيث أعيد توزيع أكثر من 2.5 مليون فدان على الفلاحين، ليصبحوا أصحاب الأرض الحقيقية، وبنى السد العالي، الذي وفر حوالي 2.2 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، وحوّل مصر إلى دولة قادرة على إنتاج الكهرباء وتحقيق نهضة زراعية هائلة.
ناصر كان ابن المؤسسة العسكرية، مصنع الرجال ومفرخة الأبطال، سيف ودرع الأمة في مواجهة الاستعمار والهيمنة الأجنبية. ومن أشهر مواقفه التاريخية تأميم قناة السويس عام 1956، انتصار سياسي واقتصادي، ومصدر فخر للعالم العربي كله، ليصبح صدى هذا القرار رمزًا للمقاومة ضد أطماع القوى الاستعمارية.
لم يكن عبد الناصر زعيمًا لمصر فقط، بل داعمًا قويًا للقضية الفلسطينية. فقد تصدرت القضية أولوياته، سعى لدعم الفصائل النضالية الفلسطينية، وقدّم لهم الدعم العسكري والسياسي، وعمل على تعزيز الوحدة العربية لتحقيق أهداف الأمة في التحرر والاستقلال. هذا الموقف الثابت جعله هدفًا للعداء الغربي المستمر، لأنه كان تهديدًا مباشرًا لمصالح القوى الاستعمارية في المنطقة.
كما حرص الزعيم جمال عبد الناصر على إنشاء مدينة البعوث الإسلامية وإذاعة القرآن الكريم، لتكون أدوات لنشر الوعي الديني الوسطي، والتصدي للمؤامرات والنسخ المحرفة للقرآن التي غزت بعض دول العالم وأفريقيا، مؤكّدًا دوره في دعم رسالة الإسلام الصحيحة وتعزيز القيم الوسطية على الصعيد العالمي، بالتعاون مع الأزهر الشريف ودوره الكبير في الدعوة ونشر الوعي الديني الوسطي عبر المعلمين والوفود التي أرسلتها الدولة المصرية إلى مختلف أنحاء العالم.
عبد الناصر ليس زعيمًا ككل الزعماء، بل رائد وباني حضارة الحرية والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية في مصر والشرق الأوسط والعالم الحر في العصر الحديث. إرثه لا يختزل في الحكم أو السلطة، بل يمتد ليكون شعلة للأمل، ومعلمًا للعدالة والحرية، ونموذجًا لكل الأجيال التي تؤمن بقوة الإنسان في صناعة مستقبله وكرامته.
الهجوم على عبد الناصر اليوم ليس هجومًا على شخصه فقط، بل محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لطمس إنجازات العدالة الاجتماعية وإعادة إنتاج مجتمع الامتيازات والإقطاع. أولئك الذين يملأون الشاشات والصفحات بتشويه الزعيم يخشون عودة روحه في وعي الأجيال الجديدة، لأن ناصر يمثل تهديدًا لمصالحهم حتى بعد رحيله.
الزعيم جمال عبد الناصر هو البطل الذي جعل أعظم الإمبراطوريات في العالم تغيب عنها الشمس، ولن تنسى بريطانيا وأعوانها مكان هذا القائد الذي دمّر أحلامهم التوسعية.
يا أبناء هذا الوطن، اقرأوا تاريخ ناصر من مصادره الحقيقية، لا من ألسنة المدفوعين ولا أقلام المأجورين. تذكّروا أن الأمم العظيمة لا تبني مستقبلها إلا وهي متمسكة برموزها وقادتها الذين صنعوا الكرامة بعرقهم وإيمانهم.
جمال عبد الناصر سيظل أيقونة العدالة الاجتماعية، زعيم الفقراء، ومعشوق الجماهير، والزعيم الذي يخشاه كهنة كل العصور.