(قصة قصيرة حدثت بالفعل)
وصل السير “كيرارد لوثر” إلى محطة قطار “سيركجي” قادماً من لندن إلى اسطنبول على وجه السرعة ، فهو السفير الإنجليزي لدى الدولة العثمانية .
قطع السفير أجازته بمجرد علمه بإعلان الدستور العثماني في يوليو عام ١٩٠٨ ، بعد ان بذل السلطان عبدالحميد الثاني الكثير من الوقت والجهد و المال في ترجمة و دراسة كل دساتير الدول المتقدمة لصياغة دستوراً ملائماً لظروف الإمبراطورية العثمانية.
أمام محطة القطار وقف شباب الإتحاد و الترقي متهللين مبتهجين في ترقب ، ينتظرون مباركة أقدام السفير التي يظنونها طاهرة أرض دولتهم الجديدة ،
إنهم ينظرون إليه فيرون جناحي الحرية يرفرفان خلفه كطائر الرُخ الخرافي ، الذي دعّم أفكارهم و ساندهم من أجل إقتلاع نظامٍ مخضرمٍ قاد سفينة دولتهم في مرحلة تكالب عليها فيها أعدائها و الطامعين فيها و سموها “الرجل المريض”
مجموعة من ضباط الجيش الشباب بالإضافة إلى بعض أنصاف المثقفين و الصحفيين ، و أصحاب الأحلام العبثية ، علاوة على بعض أصحاب الأصول الغير تركية ، و بعض اليهود ، هؤلاء هم الأطياف التي كونت ، “جمعية الإتحاد و الترقي” .
أطل النجم الذي انتظره الجميع ، بهيئته الإنجليزية الأرستقراطية ، يتهادى ماشياً بزهوٍ و خُيلاء ، من باب المحطة إلى عربة تجرها الخيول ، يجول بخاطره الحلم الذي أهدر في تحقيقه عمره ، حلم المملكة البريطانية في ان تقتلع الحكم العثماني ، و تقطّع أشلاء جسد الخلافة الإسلامية .
دخل “كيرارد لوثر” إلى العربة ، نصب ظهره ، و ألقاه على مسند مقعده الوثير ، و ابتلع كل ما في العربة من أكسجين في شهيق واحد ، و هو يتنفس الصُعداء و يقول لنفسه سراً
( بدء الحلم يتحقق ، فالدستور سيقيد صلاحيات السلطان ، و يعطي لعملاء بريطانيا ، مساحات أكبر على طاولة قرارات الدولة .
ما إن استقر السفير داخل العربة ، حتى شعر بشيئ غريب ، حركة تحدث في الخارج ، فتح ستارة باب العربة ، فإذا بشباب الأتحاد و الترقي يقومون بحل خيول العربة ، و يجرونها بأنفسهم ، بدلاً من الخيول .
ارتفعت أنف “لوثر” لتصل لسقف العربة ، و اتسعت عيناه و قال مستغرباً :-
_ يال السزاجة .. إنهم لأغرار عديمي التجربة ، مَن مِن هؤلاء يصلح لحكم بلد بحجم السلطنة العثمانية ؟
لو أن عبدالحميد إستجاب لمطالبنا و مطالب اليهود ، لكفانا عناء التعامل مع هؤلاء الحمقى ، و لكن ما كنّا لنستطيع أن نقوّض مُلك المسلمين مادام عبدالحميد الثاني على عرشه .
الدستور هو الخطوة الأولى ، و إن لنا لخطوات تتبعها خطوات حتى تصبح بريطانيا هي المملكة الأكبر تحت الشمس
يتبع ……
#شحاته_على_ابودرب