بقلم : دكتور احمد يوسف الحلوانى
باحث في الشريعة الإسلامية

شيئ مرعب مخيف أن يستبد بأحدنا فقط في حال فكَّر هل من المُمكِن أن أتورَّط في يوم من الأيام أو أنزلق لأكون ذلك المُجرِم الذي رأيته أو تابعت أخباره وفظائعه وفواحشه .

هل من الممكن أن أكون ذلك المُغتصِب للأطفال ، أو مُغتصِب النساء، قاتل الأطفال , الظالم ، المُعتدي ، والذي يرتكب أخس الجرائم وأبشع الشنائع ، ولا يطرف له جفن، هل يُمكِن أن أكون مثله ؟
هذا الذي ينبغي أن يُرعِب كل واحد منا.

فالذي يُحيل الإنسان أو يخلق في الإنسان استعداداً أن ينقلب إلى وحش ، إلى شيطان رجيم ، إلى قاتل ، إلى مُجرِم في لحظة مُعيَّنة إذا سمحت الظروف أو حثت وحرَّضت الظروف ، هذا الذي يُفقِد الإنسان فرديته ، يجعله إمعة ، والنبي يقول لا يكن أحدكم إمعة ، انظروا إلى هذا الدين ، إذا آتاكم أي آتٍ يتكلَّم باسم الله وباسم الرسول وباسم الدين ولكن بطريقة مُعيَّنة يُملي عليكم أن تكونوا إمعات ، أن تقولوا نعم هكذا برؤوسكم ، وأن تبصموا، فاعلموا أنه كذّاب ، أياً كان! سواء كان قسيساً أو حاخاماً أو شيخاً مُسلِماً، هو كذّاب، كذّاب! يكذب على الله ورسوله ، فالله سبحانه وتعالى لا يتعامل مع البشر إحصائياً ، يتعامل مع البشر إفرادياً ، يحترم فردية وكينونة وفرادة كل واحد فينا ، نحن ينبغي أيضاً أن نبتدع وأن نبتكر نُظماً تربويةً تقوم على هذا المعنى، توفير احترام كل فرد، ولا نُعامِل الناس إحصائياً ونُفهمهِم أن عليهم أن يُدندِنوا برؤوسهم دائماً وأن يُوافِقوا لكي يكونوا صالحين وطيبين ومُحترَمين وخجولين، فنحن نخلق فيهم هنا الاستعداد للجريمة.

مع أن الله سبحانه وتعالى علَّمنا في كتابه من خلال قصة آدم أن الله ذاته – لا إله إلا هو، المُقدَّس، العليم، العلّام، الحكيم – أخذ وأعطى كما نقول مع الملائكة، الملائكة كانت تستفصل، {أَتَجْعَلُ فِيهَا} ؟ لم يقل لهم سبحانه حاقت بكم اللعائن ولكن برهن لهم أيضاً عملياً، نظرياً قال لهم ، يُوجَد عندي غاية ، وعندي مغزى، قَالَ {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } وبعد ذلك لكي يرتاحوا أكثر برهن لهم على استحقاق آدم لهذا التكريم وهذا الامتياز وهذه الأفضلية بقضية {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا } وعرض هذا على الملائكة، رب العالمين! لا إله إلا هو، لكن نحن لسنا كذلك، عندنا طاعة مُطلَقة، طاعة للأب مُطلَقة، طاعة للشيخ مُطلَقة، طاعة للأستاذ مُطلَقة، طاعة للسُلطة مُطلَقة، أي سُلطة، سواء معرفية أو سياسية أو إدارية، السُلطة! للسُلطة طاعة مُطلَقة – والعياذ بالله -. هذا الذي يُحيل الإنسان أو يخلق في الإنسان استعداداً أن ينقلب إلى وحش، إلى شيطان رجيم , وينقلب ذلك الإنسان الصالح الطيب أن فجأةً أو الى سلاسة شريراً .
وقد قص علينا القران إمكانية ذلك نظريا وعمليا في مواضع كثيرة ولعل اشهرها ذلك الذى انسلخ عن ايات ربه ..
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ } ، ثم يُمثِّل له الله – تبارك وتعالى – أو يضرب به وله مثلاً بالكلب ، إذا عدوت خلفه يلهث ، وإن تركته أيضاً يلهث في مكانه، هذا يلهث، تتقطَّع أنفاسه أو يتقطَّع هو على الدنيا وعلى حُطامها وشهواتها ومناصبها وسُلطها، إلى آخره! أصبح رجل دنيا، نسيَ الله تماماً فنسيه الله ووكله إلى نفسه.
فهذا يدفعنا إلى أن نسأل الله عز وجل في كل ركعة نركعها له أن يهدينا الصراط المُستقيم ، وعجبٌ لمُهتدٍ مُتعبِّدٍ بين يدي مولاه – سُبحانه وتعالى – يُكرِّر ويُلِح ويُمعِن في طلب الهداية، بل المزيد من الهداية والاستمرار على الهداية ، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ } بمعنى استمر على هذا، ازدد منه واستمر عليه، إذن اهدِنَا {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } ، أي يا رب زِدنا هدايةً وثبِّتنا، ثبِّتنا!
كما تقول أم المُؤمِنين كان النبى صلى الله عليه وسلم أكثر ما يدعو به (يا مُقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك، يا مُصرِّف القلوب صرِّف قلبي على طاعتك ) ، يُردِّد هذا كثيراً! وما يُؤمِنني؟ من أين لي الأمان؟ وقلوب العباد بين أُصبعين من أصابع الرحمن يُقلِّبها كيف شاء ،
، نعوذ بالله من الحور بعد الكور، اللهم لا تُسلِمنا ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك ، كما جاء من دعاء المُصطفى أيضاً – عليه الصلاة وأفضل السلام .

Loading