عندما تعود الريادة للجامعات المصرية “2”

لواء دكتور: سمير فرج_ متابعة: على فهمى

تناولت في مقالي، الأسبوع الماضي، نبذة من مشاركتي ضمن لجنة مناقشة رسالة دكتوراه، للباحث العقيد نايف حمدان، من دولة الكويت، عن موضوع علاقة الشباب الكويتي بصفحات التواصل الاجتماعي، تلبية لدعوة من كلية الإعلام، بجامعة عين شمس، وهي الدعوات التي أحرص على تلبيتها، خاصة عندما يدور موضوع الرسالة حول الأمن القومي والإعلام وحروب الجيل الرابع والخامس.

واليوم أعرض على سيادتكم مشاركتي في لجنة مناقشة رسالة دكتوراه أخرى، في جامعة الزقازيق، لباحثة عربية، من دولة البحرين، وهي خولة الشامي، المسئولة عن مكتب الشكاوى لرئيس وزراء دولة البحرين، والتي اختارت موضوع بحثها عن التشريعات المنظمة للجرائم المستحدثة في مواقع التواصل الاجتماعي، مع عقد دراسة مقارنة بين التشريع المصري والبحريني. تكونت لجنة المناقشة من الأستاذة الدكتورة همت السقا أستاذ الإعلام والعلاقات العامة بجامعة الزقازيق، والأستاذة الدكتورة نيرمين الأزرق أستاذ الصحافة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، وكاتب السطور اللواء دكتور سمير فرج.

قبيل موعد المناقشة، التقيت بالسيد الأستاذ الدكتور خالد الدرندلى رئيس جامعة الزقازيق، والأستاذ الدكتور عاطف حسين نائب رئيس الجامعة، وعلمت منهما أن جامعة الزقازيق يدرس بها، حالياً، 200 ألف طالب، منهم ما يزيد عن خمسة آلاف طالب، من 12 دولة عربية. كما علمت أن أعداد الدارسين العرب، بالشهادات العليا؛ الدكتوراه والماجستير، قد تضاعف عدة مرات خلال السنوات الثلاث الماضية، مثلها كباقي الجامعات المصرية، صاحبة الريادة في تخريج طلاب على درجات عالية من الكفاءة العلمية.

عودة لموضوع الرسالة، ناقشت الباحثة التشريعات والقوانين المنظمة للتصدي لتلك الجرائم، سواء التشريعات البحرينية أو المصرية، وختمت رسالتها بعدد من التوصيات الهامة للكافة، في وقت يتطلب تكاتف الجهود للسيطرة على الآثار السلبية لذلك الدخيل على حياتنا اليومية، المعروف بوسائل التواصل الاجتماعي، بعدما انحرفت عن مُسامها، وصارت وسيلة لتغييب الوعي، وهدم كافة التقاليد والأعراف المجتمعية، خاصة بين فئات الشباب، بغرض إفقادهم الهوية وبالتالي الانتماء. والحقيقة أنني استمتعت، بشدة، بموضوع الرسالة، لاقترابها من واقعنا الحالي، وإطلاقها جرس إنذار لما يُفرض على مجتمعاتنا العربية من تقاليد جديدة، سواء على الصعيد التحرري أو المتطرف دينياً، فقد صارت منصات التواصل الاجتماعي مشكلة تعاني منها كافة دول العالم، وليست بلداننا العربية فحسب.

استعرضت الباحثة خولة الشامي أبعاد الثورة المعلوماتية، التي نعيشها في العصر الحديث، وما تمثله المواقع الإلكترونية ووسائل الاتصال الاجتماعي من أدوات لها، استطاعت أن تتجاوز حدود الزمان والمكان، ووصلت لكل المجتمعات والأسر، في جميع بقاع العالم. ومع الزيادة المتنامية لمستخدمي الإنترنت، واستحداث الوسائل الميسرة لاستخدامها، من خلال الهواتف المحمولة، بتكلفة بسيطة نسبياً، ظهرت مجموعة من المخاطر، التي أثرت على الأسر والمجتمعات العربية، وخاصة فئة الشباب، منها نشر أفكار غريبة كمحاولات لتغيير الهوية المجتمعية، واستخدام منصات التواصل الاجتماعي لأغراض التشهير والسرقة والاحتيال وانتهاك الخصوصية، والتأثير على الرأي العام ومحاولات فرض الأفكار المتطرفة سواء دينياً أو سياسياً أو اجتماعياً.

أمام تلك الآثار الهدامة، انتبه العديد من دول العالم لضرورة وجود تشريعات وقوانين للتصدي لتلك الجرائم المستحدثة، ولعل الولايات المتحدة الأمريكية كانت من أوائل الدول التي أصدرت مثل هذه التشريعات. ورغم مقاومة بعض الدول الغربية لإصدار مثل تلك التشريعات، بدعوى تعارضها مع الحريات الشخصية، إلا أن معاناة مواطنيها من تفشي استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في أعمال العنف والسرقة، فضلاً عن استغلال الجماعات الإرهابية لهذه المنصات في الحصول على معلومات لاستهداف تلك الدول، أدرك الجميع أهمية إصدار تشريعات وقوانين جديدة، تتناسب ومستجدات العصر الذي نعيش فيه، فظهرت فكرة إنشاء محاكم متخصصة، للفصل في مثل تلك الجرائم، كل وفقاً للتشريعات الملائمة لقيم ومبادئ مجتمعه.

أكدت الباحثة، كذلك، على ضرورة تعاون أجهزة أمن الإنترنت، في الدول المتقدمة، مع نظيراتها في مختلف دول العالم، من خلال اتفاقيات ومعاهدات مبرمة، للمساعدة في التصدي لأعمال القرصنة المعلوماتية، التي يتبعها البعض لاختراق أنظمة معلومات الدول، من خلال التجسس على المنظمات والهيئات، ليس العسكرية فقط، بل يمتد لكافة مؤسسات الدولة، سواء الاقتصادية أو التجارية أو الصناعية أو الخدمية. كما يتعين على تلك الأجهزة المساعدة في تتبع المواقع التي تستهدف دولاً معينة، وتطلق مواقعها من دول أخرى، بعدما طالت تلك المواقع من قيم كافة المجتمعات، باختلاف معتقداتها وتقاليدها، فانتشرت المواقع الإباحية، وانتشرت الصفحات الدينية المتطرفة، والمنصات الداعية لحرية تخالف التقاليد والأعراف، ومنصات تخصصت في الابتزاز، خاصة للشباب، وفي أعمال النصب والاحتيال، وغير ذلك من الأمثلة … وبين هذا وذاك، تاهت الحقائق، وأوشكت الهوية على الضياع.

وبعد ساعات من المناقشة، أجازت اللجنة حصول الباحثة خولة الشامي على درجة الدكتوراه، لما وجدته في رسالتها من قوة في دراسة التشريعات في مصر والبحرين وعقد مقارنة بينهم، ومن منهجية علمية في اقتراح وسائل وسبل التصدي لمثل تلك الجرائم المستحدثة، والغريبة على مجتمعاتنا، وذلك بالاستفادة مما وصلت إليه كل دولة في هذا المجال. وخرجت من جامعة الزقازيق، بعدما قدمت كل التحية والتقدير لرئيسها، ونوابه، والسادة أعضاء هيئة التدريس، والأستاذ الدكتور هاني حلمي السيد، عميد كلية التربية والإعلام، على ما يولونه لكافة الدارسين، وخاصة الوافدين منهم، من اهتمام لكي تعود لمصر مكانتها، مرة أخرى، كمنارة العلم للدول العربية.

Loading