(وكالة أنباء العالم العربي)

أعاد مشهد تفريق المتظاهرين في ساحة التحرير بوسط العاصمة العراقية بغداد يوم الأحد الماضي، إلى الأذهان احتجاجات أكتوبر 2019، وسط اضمحلال الحركات الاحتجاجية وتشتت الفاعلين فيها سياسيا.

ونظم ناشطون مسيرة في ساحة التحرير في ذكرى الاحتجاجات التي أدت لمقتل المئات وإصابة الآلاف قبل أربع سنوات، ورفع متظاهرون صور ضحايا الاحتجاجات إضافة إلى لافتات تطالب بمحاسبة المتورطين في قتل المحتجين والإفراج عن المعتقلين الذين ألقت السلطات العراقية القبض عليهم منذ أربع سنوات.

واستمرت الاحتجاجات التي بدأت في 2019 لنحو عام ونصف العام وسط مطالبات بالتصدي للفساد، وهو ما تسبب في إسقاط حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي بعدما اضطر لتقديم استقالته تحت ضغط المظاهرات. وأسفرت الاحتجاجات عن مقتل ما يزيد على 700 وإصابة أكثر من 20 ألفا.

وعندما حاول العشرات إحياء الذكرى الرابعة للاحتجاجات يوم الأحد، تدخلت قوات الأمن العراقية لتفريقهم بالقوة مرة أخرى باستخدام القنابل الصوتية، ما أسفر عن احتكاكات بين الجانبين أسفرت عن إصابات واعتقالات، وفقا لوسائل إعلام محلية.

وقال الناشط البارز علي الدهامات، الذي شارك في احتجاجات 2019 بمحافظة ميسان على بعد حوالي 365 كيلومترا جنوبي بغداد، لوكالة أنباء العالم العربي (AWP): “انتفاضة تشرين تعرضت لكافة أنواع الشيطنة من مختلف الأطراف، وقبل أن تنطلق تظاهرات إحياء ذكراها السنوية، تم إطلاق إشاعة تشير إلى أن قنابل المولوتوف ستكون حاضرة بيد المتظاهرين من أجل تقديم حجة جاهزة لقمعهم في أي وقت”.

ويؤكد الدهامات، مؤسس ورئيس منظمة تشرين لحقوق الإنسان، أن “تظاهراتنا (الأحد) رسمية، وحصلت على كل الموافقات من وزارة الداخلية، ونحن أكدنا على سلميتها بهدف إحياء ذكرى الانتفاضة”.

ويستعيد الناشط عمار علي التحديات التي واجهت احتجاجات 2019 بقوله: “تشرين تعرضت للخيانة، لاسيما من أولئك الذين تسلقوا على أكتاف المتظاهرين الحقيقيين من أجل الوصول إلى مناصب وغايات مصلحية”.

وأضاف علي: “ما حصل مع الانتفاضة (احتجاجات 2019) التي كسرت جميع الحواجز وقيود الخوف من السلطات الحاكمة، هو خيانة لدماء الأبرياء من الشهداء الذين سقطوا من أجل قول كلمة الحق والدفاع عن حقوق العراقيين جميعا أمام السلطات الظالمة”.

وتابع الناشط: “هناك أطراف جعلت من اسم تشرين هدفا للوصول إلى السلطة، واتخذت خيار السياسة، وبدأت تنادي بأنها ممثلة لقوى تشرين، إلا أنها عندما وصلت إلى السلطة سرعان ما تناست حقوق تشرين متوجهة للأموال والمناصب”.

وواصل: “غالبية متظاهري تشرين يرفضون دخول السباق الانتخابي، ما لم يتم تغيير شكل الحكم في العراق، بل حتى أن قوى تشرين الحقيقية ترفض عودة هذه المجالس التي كان حلها واحدا من أهم أهداف الثورة حينما خرجت قبل سنين”.

ويشير علي إلى مجالس المحافظات التي ألغيت تحت وطأة الاحتجاجات في 2019. وأجريت آخر انتخابات محلية في العراق في 2013، ومن المنتظر عقد انتخابات مجالس المحافظات في 15 من أصل 18 محافظة عراقية في ديسمبر المقبل.

ويرى الناشط ليث الحيالي، الذي شارك في احتجاجات 2019 في بغداد، أن أصعب ما واجهته الاحتجاجات “هو تخوينها، وليس خيانتها من قبل الفاعلين فيها، فقادة التظاهرات تعرضوا للاغتيال والملاحقة، كما هو معروف”.

من جهته، قال مسئول المكتب السياسي لجبهة تشرين واثق لفتة، لوكالة أنباء العالم العربي، إن احتجاجات 2019 “مثلت الضمير العراقي الحي وعبرت عن رأيها في إدارة الحكومة ومفاصل فسادها وهيمنة الأحزاب الفاسدة، وكانت مبدئية وصادقة، وعندما اقتربت من تحقيق أهدافها ذهبت أجهزة الحكومة إلى شيطنتها بإدخال المال وكسب الذمم الرخيصة، وتم تشكيل أحزاب باسم تشرين”.

وأضاف لفتة الذي شارك هو الآخر في الاحتجاجات في العاصمة العراقية: “الأحزاب التقليدية عملت على زج عناصر فاسدة لخلق صورة لا أخلاقية داخل المظهر العام لانتفاضة تشرين”.

وتراجع زخم الاحتجاجات تدريجيا بسبب جائحة فيروس كورونا، إلا أن خيام الاعتصام بقيت في الساحات، قبل أن تشن السلطات الأمنية حملات لإزالتها بالكامل.

* مجالس المحافظات

خلال الاحتجاجات، التي سميت لاحقا في العراق (تظاهرات تشرين)، جرت المطالبة بحل مجالس المحافظات، وهي مجالس تمارس أدوارا رقابية وتشريعية على أداء المحافظ، وقرر البرلمان العراقي في 28 أكتوبر تشرين الأول 2019 حلها تحت وطأة الاحتجاجات.

ولكن بعد تسلم محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة في أكتوبر من العام الماضي، توجه لإعادة مجالس المحافظات، وستعقد انتخابات اختيار أعضائها في ديسمبر لأول مرة منذ عشر سنوات.

وبالإضافة إلى مشاركة الأحزاب في الانتخابات المزمعة، توجهت بعض القوى السياسية التي تمخضت عنها احتجاجات 2019 إلى المشاركة في الانتخابات أيضا، ومنها تحالف (قيم) الذي يضم حركات وكيانات مثل البيت الوطني وحراك البيت العراقي، إضافة إلى التيار الاجتماعي والديمقراطي والحركة المدنية والحزب الشيوعي العراقي، وكذلك نواب من حركة وطن.

ومع حلول ذكرى الاحتجاجات قبل فترة وجيزة من انتخابات مجالس المحافظات، التي جرى حلها قبل أربع سنوات بضغط من تلك الاحتجاجات، يقول الدهامات، رئيس منظمة تشرين لحقوق الإنسان، إن هناك انقساما بين الناشطين حول الانتخابات.

وأضاف: “هناك من يتفهم أن خيار المشاركة بالانتخابات هو إجراء سياسي سليم، سيؤدي بالنتيجة إلي تخليص البلد من الفاسدين، وهناك من يقف ضد ذلك بدافع أن العملية السياسية فاسدة برمتها ويجب مقاطعتها، وكان هذا سببا في ظهور انقسام الخط الاحتجاجي، ونحن نحترم كلا الرؤيتين”.

ويستدرك الدهامات قائلا: “لكن أغلب الناشطين وقادة التظاهرات ثابتون على المطالب الأساسية، وأبرزها تغيير النظام السياسي الحالي في العراق، إلا أن هناك متغيرات تطرأ وتتطلب التعامل معها وفقا لمقتضيات المرحلة”.

من جانب آخر، عبر الناشط الحيالي عن خيبة أمله إزاء النتائج السياسية للقوى التي أنتجتها احتجاجات 2019 “كونها لم تصل لمستوى الطموح أو التضحيات، لاسيما وأن بعض القوى التشرينية تحالفت بالخفاء أو العلن مع قوى سياسية تقليدية أخرى مثل الإطار التنسيقي (المكون من أحزاب شيعية). كل هذه التخبطات باتت مصدر إحباط لجمهور الاحتجاج”.

وأبدى الحيالي تعجبه، في الوقت نفسه، من قرار بعض “قوى تشرين” خوض الانتخابات المحلية في ظل رفضها السابق المشاركة في الانتخابات المحلية على الرغم من عدم حدوث أي تغيير في بنية النظام السياسي بالعراق.

وعزا الحيالي ذلك إلى “رغبة تلك الأطراف في الوصول إلى السلطة والحصول على مكاسب، على غرار الأحزاب التقليدية أو حتى التشرينية التي شاركت في الانتخابات البرلمانية السابقة”.

ولا يبتعد كثيرا لفتة، مسئول المكتب السياسي لجبهة تشرين، عن هذا الرأي، ويؤكد أن “انتخابات مجالس المحافظات ستشهد مشاركة قسم كبير من القوى الاحتجاجية، التي تعتبر تجميد هذه المجالس إنجازا كبيرا، وفي ذلك سلب لحقوق المتظاهرين. نحن بالنسبة لنا لن ندعم أي مرشح من مرشحي قوى تشرين لهذه الانتخابات”.

وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في أكتوبر تشرين الأول 2021، لم يكن الأمر مثاليا للقوى المنبثقة عن احتجاجات 2019.

وفازت حركة (امتداد)، المنبثقة عن احتجاجات محافظة ذي قار، بتسعة مقاعد في البرلمان العراقي، لكنها ما لبثت أن تعرضت لانشقاقات، الأمر الذي ولّد حالة من الإحباط وعدم الرضا بين جمهور المحتجين.

وقال حسين الغرابي، رئيس حزب البيت الوطني المنضوي في تحالف (قيم) المشارك في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة، لوكالة أنباء العالم العربي “قوانا الناشئة تمكنت من تأسيس تحالف واحد ليقف في مواجهة الأحزاب التقليدية، وإيجاد طرف ثالث وجديد في المعادلة السياسية، إلى جانب الإطار التنسيقي والتيار الصدري”.

وقرر حزب البيت الوطني، الذي يعد أحد أبرز الحركات السياسية المنبثقة من احتجاجات 2019، مقاطعة الانتخابات البرلمانية السابقة.

وأضاف الغرابي: “نسعى إلى تحقيق البديل الحقيقي للأحزاب المناطقية والطائفية”، مشيرا إلى أن “القوى الناشئة تخشى من عدم تكافؤ الفرص بينها وبين القوى التقليدية، التي تملك المال والسلاح وموارد الدولة، بالإضافة للنفوذ داخل المفوضية”.

وأوضح المحلل السياسي علي البيدر أن “الحركة الاحتجاجية شهدت انقسامات وتشظيا في المواقف والرؤى، لذلك لا توجد وحدة قرار في حراك تشرين، وهذه نتيجة طبيعية لاختلاف التوجهات والأيديولوجيات”.

وأشار خلال حديثه إلى وكالة أنباء العالم العربي إلى أن “تشكيل أحزاب تشرينية جديدة جعل الجماهير تشكك في نواياها، بالإضافة إلى أن الشارع العراقي لم يعد يؤمن بفكرة الاحتجاجات والفوضى نتيجة التجارب السابقة”.

وتابع: “عندما نجد بعض القوى التشرينية داخل البرلمان تشارك في انتخابات مجالس المحافظات، فإنها لم تخرج على موضوعة حل مجالس المحافظات، وإنما أرادت تحقيق الإصلاح وتغيير فكرة تعامل المنظومة السياسية مع الشعب، وهذا ما دفع الشارع لمساندتها في محاربة الفساد والفوضى”.

Loading

By عبد الرحمن شاهين

مدير الموقع الإلكتروني لجريدة الأوسط العالمية نيوز مقدم برنامج اِلإشارة خضراء على راديو عبش حياتك المنسق الإعلامي للتعليم الفني