قرآنية شبكات التواصل الاجتماعي
بقلم الأديب المصري: د. طارق رضوان جمعة
وكأن الله خلق شاعرنا المصري حافظ ابراهيم لنستشهد بأبياته اليوم فتشعر أن القران والمسلم في صوت واحد يعلنوا عبر الزمان تحدياً فتأمل قول الشاعر :
وَقَفَ الخَلقُ يَنظُرونَ جَميعاً كَيفَ أَبني قَواعِدَ المَجدِ وَحدي
أمن السابقون برسالة النبي محمد عليه صلوات ربى وسلامه لأنهم رأوا معجزات تتحقق أمام أعينهم ، واليوم نستمد إيماننا بالله وأنبيائه من تحقق نبوءات القران وما ورد على لسان نبيه الحبيب الأحب.
ونبوءات القران في سالف الدهر كفوني الكلام عند التحدي
فأنا المسلم تاج العلاء في مفرق الأوطان وَدُرّاتُهُ فَرائِدُ عِقدي
أَيُّ شَيءٍ في الأديان قَد بَهَرَ النا سَ جَمالاً وَلَم يَكُن مِنهُ عِندي
ولكن كيف أمن السابقون ولم يكن ظهر أي اكتشاف علمي في عهدهم؟
لكل رسول آية تثبت صحة نبوته ورسالته، فمثلًا كانت آية موسى عليه السلام عصاه، وكانت آية عيسى عليه السلام أنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، وكانت آية خاتم الأنبياء والمرسلين تتناسب مع كونها صالحة لكل زمان ومكان ما بقيت البشرية فكان هذا القرآن العظيم.
ويخرج من بيننا كل حين إمام صادق أو عالم جليل يجدد إيمان الأمة. والأجمل والأروع أن يخرج بين الحين والأخر من بين اصلاب أهل الكفر والعناد من يؤكد باكتشاف جديد أن ما ورد في القرأن هو الحق واليقين، فأذكروا الحى الذى لا يموت وسبحوه بكرة وأصيلا.
ومنذ أيام قليلة ورد على لسان عالمنا الجليل الدكتور مبروك عطية أن ما نحن بصدده من مشاكل أو ميزات تُدعى شبكات التواصل الاجتماعي ما هي إلا حديث سابق ذكره الله في (سورة النساء الآية 83): “وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به”.
وذكر الدكتور مبروك أن الله في الآية الكريمة أراد أن يعلمنا التثبت من الأخبار وعدم إذاعة أخبار تثير الفتنة. وأوضح الدكتور مبروك أن الشيء يتم ذكره في القران إما بلفظه أو بسياقه أى حسب تعبيره ، وهذا هو الحال في قضيتنا اليوم عن ذكر شبكات التواصل الاجتماعي في القران الكريم منذ قرون ماضية. وتبين الآية النهى الصريح عن إثارة الفتن عن نشر أي خبر ، كما تبين أن هناك قلة قليلة لن تتبع الهوى وتُفتن بالعالم الافتراضي لشبكات التواصل الاجتماعي. وها أنتم الأن على يقين تام بأن أغلب ما يُنشر ما هو إلا هراء ونفاق وفتن وتلفيق أخبار وخروجها من سياقها.
إِنَّ في الغَربِ أَعيُناً راصِداتٍ كَحَلَتها الأَطماعُ فيكُم بِسُهدِ
فَوقَها مِجهَرٌ يُريها خَفايا كَم وَيَطوي شُعاعُهُ كُلَّ بُعدِ
فَاِتَّقوها بِجُنَّةٍ مِن وِئامٍ غَيرِ رَثِّ العُرا وَسَعيٍ وَكَدِّ
وَاِصفَحوا عَن هَناتِ مَن كانَ مِنكُم رُبَّ هافٍ هَفا عَلى غَيرِ عَمدِ
نَحنُ نَجتازُ مَوقِفاً تَعثُرُ الآ راءُ فيهِ وَعَثرَةُ الرَأيِ تُردي
فكلمات القران يا كرام هي مستقبلات قرآنية لثبت قلب المؤمن على الايمان إيماناً مستقر في القلب ويصدقه العقل.
وصدق الشاعر حين قال:
وَرِجالي لَو أَنصَفوهُم لَسادوا مِن كُهولٍ مِلءِ العُيونِ وَمُردِ
لَو أَصابوا لَهُم مَجالاً لَأَبدَوا مُعجِزاتِ الذَكاءِ في كُلِّ قَصدِ
ومن الواضح والجلي والحمد لله أن كل ما ذكره القرآن من غيبيات في الزمن الماضي أصبحت حقائق في الزمن الحاضر مما يدل ويؤكد بالدليل العلمي أن القرآن حق والله حق ورسوله حق.
فقد ذكر القرآن على سبيل المثال آيات كونية مثل حركة الجبال ودوران الأرض وخلق السماوات والأرض. وكذلك أشار إلى بيولوجيا النبات، ودورة حياة وموت النبات، واختلاف الزروع والثمار في اللون والطعم والرائحة رغم أنها تُسقي بماء واحد. وفي ذلك اشارة واضحة لعلم الوراثة والجينات والبيولوجيا الجزيئية.
ما رَماني رامٍ وَراحَ سَليماً مِن قَديمٍ عِنايَةُ اللَهُ جُندي
كَم بَغَت دَولَةٌ عَلَيَّ وَجارَت ثُمَّ زالَت وَتِلكَ عُقبى التَعَدّي
وقد أشار أيضا القرآن إلى العديد من الأحداث التاريخية الهامة والمحورية مثل هزيمة الفرس والروم على أيدي المسلمين، وهو الأمر الذي حدث بعد ذلك بسنوات وكذلك أحوال بنو إسرائيل والكثير من المواقف التاريخية الأخرى.
والتكنولوجيا المعاصرة لم ترسخ إيماننا بالقرآن ولكنهـا جعلت ايمانا بالأحداث المستقبلية التي ذكرت فيه ايمانا عقليا مبني على الدلائل العلمية، مما يمثل سببا في جذب العقول الغير مؤمنة بالقرآن. وكلما تقدمت التكنولوجيا تصبح هي نفسها برهانا علي أن القرآن من عند الله.
قُل لِمَن أَنكَروا مَفاخِرَ قَومي مِثلَ ما أَنكَروا مَآثِرَ وُلدي
هَل فَهِمتُم أَسرارَ ما كانَ عِندي مِن عُلومٍ مَخبوءَةٍ طَيَّ بَردي
إِنَّ مَجدي في الأولَياتِ عَريقٌ مَن لَهُ مِثلَ أولَياتي وَمَجدي
أثبتت العديد من الدراسات العلمية الحديثة أن الرياح عامل أساسي للقيام بتلقيح النباتات من العضو الذكري إلى العضو الأنثوي. (وَأَرسَلنَا الرِّياحَ لَواقِحَ)
وانظر إلى تكون ألبان الأنعام بين الفرث والدم : (وَإِنَّ لَكُم فِي الأَنعامِ لَعِبرَةً نُسقيكُم مِمّا في بُطونِهِ مِن بَينِ فَرثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خالِصًا سائِغًا لِلشّارِبينَ)
وأقر العلماء أنه كلما ازداد عمق البحار والمحيطات كلما ازدادت الظلمات وتلاشى النور وانعدمت الرؤية تماما، وهذا ما قاله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، حيث قال: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّـهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ)
وَقَديماً بَنى الأَساطيلَ قَومي فَفَرَقنَ البِحارَ يَحمِلنَ بَندي
ولا ننسى ذكر بناء السفن وعلمه : لما أوحى الله تعالى إلى نوح عليه السلام قال تعالي: “وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ” أمره الله تعالى أن يصنع الفلك (السفينة)، ويسلك فيها من كل زوجين اثنين، وذلك إذا فار التنور (أي نبع الماء من التنور)، وهي العلامة لمجيء الطوفان، قال تعالي: “فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ ۙ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ ۖ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۖ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ”.
وقف نوح عليه السلام فوق رمال الصحراء الساخنة يصنع السفينة، آخذا كل مؤمن يساعد نبي الله نوح. وسَخر منه قومه وراحت تسأله في تهكم أتصنع السفينة في الصحراء أين تسير؟ أين الماء، أين البحر؟ وأخذوا يسخرون منه ويضحكون عليه، فيصبر نوح عليه السلام على أذاهم وسخريتهم له تنفيذاً لأوامر الله .
فَسَلوا البَحرَ عَن بَلاءِ سَفيني وَسَلوا البَرَّ عَن مَواقِعِ جُردي
نَظَرَ اللَهُ لي فَأَرشَدَ أَبنا لي فَشَدّوا إِلى العُلا أَيَّ شَدِّ
كما أكد العلماء أن الكون في بدايته كان عبارة عن سحابة سديمية دخانية ضخمة وخلق الله منها كلا من السماوات والأرض، حيث استخدم الكثير من العلماء المعدات والأجهزة اللازمة من التلسكوبات والسفن الفضائية لإثبات تلك الحقيقة: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِيْنَ كَفَرُواْ أَنَّ السَّمَوَاْتِ وَالأَرْضَ كَاْنَتَاْ رَتْقَاً فَفَتَقْنَاْهُمَاْ)
وقد تبين أن ثلثي أي جبل مغروس في طبقة السيما والثلث المتبقي هو ما يظهر فوق القشرة الأرضية على سطح الأرض، ولولا ذلك لحدثت زلازل مدمرة ، فتكون الجبال كالأوتاد التي تستخدم لربط الخيمة بالأرض، وهو ما ورد في قوله تعالى في سورة النبأ: (وَالْجِبَاْلَ أَوْتَاْدَاً)
وأيضا ما ورد في سورة النحل، حيث قال عز وجل: (وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ)
فسر علماء العلم الحديث النجم الثاقب بأنه ذلك النجم المضيء الذي يثقب ويخترق طبقات الجو الكثيرة من شدته، وسمي بالطارق لأنه يظهر ليلا في ظلمة الليل ويختفي نهارا. (وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ* النَّجْمُ الثَّاقِبُ)
وَرِدوا بي مَناهِلَ العِزِّ حَتّى يَخطُبَ النَجمُ في المَجَرَّةِ وُدّي
وَاِرفَعوا دَولَتي عَلى العِلمِ وَالأَخ لاقِ فَالعِلمُ وَحدَهُ لَيسَ يُجدي
وَتَواصَوا بِالصَبرِ فَالصَبرُ إِن فا رَقَ قَوماً فَما لَهُ مِن مَسَدِّ
خُلُقُ الصَبرِ وَحدَهُ نَصَرَ القَو مَ وَأَغنى عَنِ اِختِراعٍ وَعَدِّ
فَاِستَبينوا قَصدَ السَبيلِ وَجِدّوا فَالمَعالي مَخطوبَةٌ لِلمُجِدِّ
وأخيرا يشهد هنري دي كاستري، مقدم سابق في الجيش الفرنسي، للرسول الأمي قائلاً: “إن العقل يحتار كيف يتأتى أن تصدر تلك الآيات عن رجل أمي، وقد اعترف الشرق قاطبة بأنها آيات يعجز فكر بني الإنسان عن الإتيان بمثلها لفظًا ومعنى”.
قرآنية شبكات التواصل الاجتماعي