بقلم: حسام الدين أحمد يوسف


لو أردت فهم الحاضر فادرس الماضي جيدا فإن تاريخ كل أمة خط متصل وقد يصعد الخط أو يهبط وقد يدور حول نفسه أو ينحني ولكنه لا ينقطع… فإن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار ولكن في باطنه نظر وتحقيق … ولابد أن نشير إلي ان التاريخ يكتبه المنتصرون فقط وان الأمة التي تحفظ تاريخها تحفظ ذاتها فالتاريخ يعلم الإنسان الدروس ويجعله أكثر وعياً واقدر على اتخاذ الخطوات المناسبة مما يجعله يتحكم في المستقبل فمن يتحكم في الحاضر يتحكم في المستقبل وهؤلاء الذين لا يتذكرون الماضي محكوم عليهم بإعادته ” … ما يجعلنا نتحدث اليوم عن التاريخ هو أننا أمام معضلة سياسية تاريخية ذات أبعاد إقتصادية ولكي نستوعبها جيدا لابد لنا من الغواص في الماضي القريب والبعيد لاستيعاب الموقف جيدا …. إنها المعضلة الروسية الاوكرانية وما يحدث حاليا .
• فمنذ أكثر من ثماني سنوات تشهد منطقة دونباس في جنوب شرقي أوكرانيا حيث توجد منطقتان قامت روسيا باجتياحهما بالفعل حاليا … نزاعا مسلحا عنيفا بين القوات الحكومية الأوكرانية وميليشيات محلية مدعومة من روسيا والآن تحذر دول غربية من أن موسكو تخطط ربما لغزو وشيك لأوكرانيا قد يحدث في أي لحظة … ورغم أن روسيا نشرت حوالي 130 ألف جندي مجهزين بكامل العتاد والمدفعية والذخيرة إلى القوة الجوية بالقرب من الحدود الأوكرانية هذا وقد نفت موسكو مرارا أنها تخطط لغزو أوكرانيا.
• وفي بداية هذا العام دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الدول الغربية إلى عدم إثارة “الذعر” قائلا إن التحذيرات من غزو روسي وشيك تتسبب بأضرار للاقتصاد الأوكراني وتعرضه للخطر … في حين أنه أجرت روسيا وبيلاروسيا تدريبات عسكرية مشتركة بالقرب من الحدود مع أوكرانيا كما أجرت أوكرانيا تدريبات عسكرية في المنطقة الشرقية من أراضيها … وقد عزز حلف شمال الأطلسي (الناتو) وجوده في أوروبا الشرقية ونشر سفنا وطائرات حربية إضافية وقوات النخبة الأمريكية 82 المحمولة جوا والمتخصصة في الاستجابة السريعة لحالات الطوارئ في الأزمات في أي مكان في العالم وباشرت الدول الأوروبية الكبرى حملات وساطة دبلوماسية مكثفة وقامت عدة شخصيات سياسية بارزة بما في ذلك قادة ووزراء خارجية من ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة ودول أخرى بزيارات مكوكية بين موسكو وكييف وعقدت لقاءات في باريس وبرلين والعاصمة البولندية وارسو… ولكن يبدو أن تلك الجهود لم تؤت بثمارها حيث تصاعدت الأزمة في الأيام القليلة الماضية في حين أرسل الرئيس الروسي ما يسمى بقوات حفظ السلام للمنطقتين المنفصلتين لكن لا يعتقد كثيرون في العالم أن تلك القوات موجودة هناك للحفاظ على السلام وقد قال رئيس الوزراء الأسترالي إن هذه الفكرة هي محض هراء كما قال جنرال أوكراني إنه من الواضح أن تلك القوات ستصبح قوات نظامية فلقد مزق بوتين اتفاق سلام مع أوكرانيا المجاورة باعترافه باستقلال منطقتين شرقيتين استولى عليهما واحتلهما الانفصاليون المدعومون من روسيا في عام 2014 كما سبق واشرنا.
• فالي الان نحن لا نعلم ماهو الوضع الفعلي ولكنها بلا شك هي طبول الحرب فما بين مجد القياصرة الزائل والذى يحاول إحياؤة الرئيس الروسي بوتين وما بين تبعات حرب باردة دامت للنصف قرن وما بين عالم جديد امتزجت به الدول لبدء صراع جديد لا يعلم مداه الا الخالق سبحانه وتعالى .
• ولأن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة فدعونا نري مدي تأثير تلك الأزمة علي الاقتصاد بوجة عام …. ففي وقت لا يزال العالم يعاني اقتصاديا آثار جائحة كورونا طلت علينا تلك الأزمة والمهددة بقيام حرب عالمية ثالثة بعدة تاثيرات لعل من أهمها التأثيرات الاقتصادية التي قد تشمل جميع اقتصادات العالم …. كيف يمكن التعامل مع هذه المخاطر الجيوسياسية وتقليل آثارها على المستويين الدولي والمحلي؟ .
•إن التأثيرات الاقتصادية من الأزمة الروسية – الأوكرانية وبحسب موقع Baron’s الاقتصادي فإنه يشير بول دونوفان كبير الاقتصاديين في بنك UBS السويسري إلى عدم وجود ما يدعو للقلق حيث يرى أن “الأسواق لا تميل إلى تسعير الأحداث المتطرفة خاصة عندما تكون ذات طبيعة عسكرية” … كما يرى من وجهة نظر استثمارية أن العواقب الاقتصادية للصراع ستقتصر على منطقة الصراع رغم التأثير الهائل في أوكرانيا والتأثيرات الكبيرة في روسيا، بسبب العقوبات الاقتصادية … لكن هل تتأثر بقية دول العالم بسبب هذه الأزمة أو أن التأثير لن يطول سوى الأطراف المباشرة؟ …. فيشير دونوفان إلى أن الضربة على روسيا لن تؤثر في النمو العالمي، فحجم اقتصادها يعد ضئيلا حيث يمثل نحو 1.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للعالم وهو ما يشكل نصف حجم دولة مثل فرنسا ونحو عشر اقتصادات الصين أو الاتحاد الأوروبي … ولكن الاقتصاد العالمي سيشعر ببعض الألم إذا اتفقت أوروبا مع الولايات المتحدة على ضرورة تأجيل نورد ستريم 2 Nord Stream “خط الأنابيب والمدعوم باستثمارات غربية لنقل الغاز الطبيعي من مدينة فيبورج في روسيا إلى مدينة جرايفسفالد في ألمانيا” إلى أجل غير مسمى …. كذا واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز الروسي تصل إلى 40 في المائة حاليا وستزداد مع تشغيل خط نورد ستريم 2 لكن في حال فرضت العقوبات على روسيا أو كردة فعل روسية لمحاصرة أوروبا فإن أسعار الطاقة “الغاز خصوصا” سترتفع بشكل كبير وستؤثر في جميع الدول الأوروبية ارتفاع أسعار الطاقة إضافة إلى التضخم الذي تعانيه دول أوروبا وأمريكا سيؤديان إلى خفض نتائج النمو في كلا الجانبين، وسيؤثران بالتالي في النمو العالمي.
• يؤكد دونوفان أنه إذا كانت الأسواق تميل تاريخيا إلى تجاهل الأحداث الكبيرة “أي غير المحتملة للغاية” فإنها تتفاعل مع الحقائق الفعلية وفي حال نشوب صراع “سيكون تركيز المستثمرين على إمدادات الطاقة من روسيا والصادرات الغذائية من أوكرانيا”.
• وللحديث بقية ……

Loading

By hanaa

رئيس مجلس إدارة جريدة الاوسط العالمية نيوز