كيف تتلاعب الدول العظمى بمبادئ «القانون الدولي»وتدعي أنها مخولة بتفسيره؟
بقلم:نبيل أبوالياسين
في بداية مقالي أقول إن الرعب النسبي الذي تم الحديث عنه من مقتل الصحفية “شيرين أبو عقله” له ما يبرره وضروري جداً، كما أنها متأخرة، وأتساءل الآن هل تشعر بالفزع؟ إن دماء صحفية مشهورة ، بغض النظر عن مدى شجاعتها وخبرتها، وهي كانت كذلك، ليست أكثر إحمراراً من دماء طالبة مدرسة ثانوية مجهولة كانت مسافرة إلى منزلها في سيارة أجرة مليئة بالنساء في جنين نفسها قبل شهر عندماً إستشهدت بنيران نفس جنود الإحتلال، وغيرها من لايعرفون عنهم شيئاً، دماء “أبو عاقلة” كشف مدى بشاعه الإنتهاكات ضد الشعب الفلسطيني.
ومن هنا أوجه سؤلاً إلى الأمين العام للآمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش”، توضيحاً للمجتمعات العربية، والدولية هل “إسرائيل” أصبحت فوق القانون؟، ومن يُساندها ويساعدها على الإفلات من العقاب بشأن جرائمها ضد الإنسانية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني؟.
ويبدو إننا نعيش الآن في «الزمن الرديء» بإمتياز، حيث تنقلب كل الحقائق، وبات أصحاب العقول في حيرةً من آمرهم، أين سيذهب بعقولهم، عندما رأوا أن مبادئ القانون الدولي قد أصبحت ألعوبة حقيقية وواضحة في يد دول الإستقواء العالمي، وفي مُقدمتهم الدول التي تدعي بأنها العظمى وتدعوا أنها الوكيل الوحيد المخول بتفسير هذه المبادئ.
وأن هناك على الطرف الآخر دول صغيرة يتم غزوها بدون مبرر وأخرى يتم إحتلالها، وتسقط أنظمة سياسية، وتدمر بلدان، ويُحرق كل مقدراتها، وفي النتيجة يعلن أن ذلك كله قد جاء تحقيقاً لإرساء الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، ودحر المستبد، وإنقاذاً للشعوب من ربقة حكامها حتى دون إستشارتها.
وإستمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والإنتهاكات اللا إنسانية، والبشعه التي يُمارسها ضد الشعب الفلسطيني، لابد من أن يعيد الأذهان إلى إستمرار مطالبنا ومطالب الرأي العام، وقادة الرأي الفلسطيني، والعربي بتفعيل مبدأ المساءلة الدولية ، وتصعيد الضغط القانوني على إسرائيل، ولكن نرىّ أن المشكلة تكمن في أن العديد من الأصوات تأخذ القرار القانوني.
وحجج حقوق الإنسان أصبحت خارج سياقها السياسي، وهذا هو السبب في أن إسرائيل دائماً تفلت من العقاب منذ جرائم “كفر قاسم” وغيرها، وصولاً “لـ” جريمة شاطئ غزة ضد الأطفال، ويبدو أن مشهد حقوق الإنسان، والقانون الدولي اليوم محدود النطاق، رغم أنهما ليس مغلوقين في نفس الوقت، وإذا أخذنا في الإعتبار، وعلى محمل الجد فنرىّ أن هناك جرائم حرب أقل بكثير في بشاعتها، من تلك التي إرتكبت في غزة وضد الشعب الفلسطني على مدار التاريخ.
فقد تم إرتكاب جرائم حرب في مناطق أخرىّ من العالم، وتمت ملاحقتها ولم تمر دون عقاب، ولكن، وللأسف يبدو أن الوضع في غزة أكثر تعقيداً، حيث يفتقر الملف القانوني إلى أي حامل سياسي قوي، وحقيقي في ظل الفراغ السياسي العربي، وزخم الدعاية الإسرائيلية، والغربية التي تصور العدوان الإسرائيلي المحتل والمغتصب للأرضي الفلسطينية جبراً، على أنه عمل من أعمال الشرعية.
وأصبحت إسرائيل دولة فوق القانون الدولي، تقتل الأبرياء دون محاسبة في ظل تعتيم إعلامي غربي، لتضليل المجتمع الدولي عن حقيقة الوضع الثائر في الأراضي الفلسطينية، ولكن جاء إغتيال الصحفية”شرين عاقلة” المتعمد، والمقصود ليزيح الستار عن الحقيقة المؤلمة، وكشف حجم جرائم الإحتلال ضد الإنسانية، وبشاعة الوضع في تعاملهُ مع الشعب الفلسطيني صاحب الأرض، والتي ترقىّ إلى جرائم حرب.
ولم تكتفي جرائم قوات الإحتلال بإغتيال مراسلة قناة الجزيرة”شيرين أبو عاقلة” بل تجردت من كل الإنسانية، وإعتدت بوحشية غير مسبوقة على نعش الصحفية، على مرأى، ومسمع من العالم بأسرة، و عدم إحترام حرمة الميت كما إعتدوا بالضرب على حاملي النعش، والذي يعُد عمل خسيس، وجبان يعمق الكراهية، ويستوجب التحقيق العاجل، والعادل في كل الإنتهاكات التي قامت بها قوات الإحتلال مع أصحاب الأرض«الشعب الفلسطيني».
كيف تتلاعب الدول العظمى بمبادئ «القانون الدولي»وتدعي أنها مخولة بتفسيره؟
وإستبسال الشباب الفلسطيني في حماية نعش الصحفية “شيرين أبو عاقلة” الذي كاد أن يسقط أرضاً، بسبب عنف الشرطة الإسرائلية الغاشم
بعد ما إقتحمت حرم مستشفى القديس يوسف “المستشفى الفرنسي” في القدس الشرقية، وإنهالت بضرب المشيعين بالهراوات لمنعهم من حمل النعش على الأكتاف، ومنعهم من رفع الأعلام الفلسطينية عند إخراج الجثمان الذي نقل على سيارة لنقل الموتى.
وقد أظهر هذا المشهد الذي يعُد إنتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وللكرامة الإنسانية، والذي أعقبهُ إدانات عربية وعالمية، ونقلتها القنوات الفضائية المحلية، والدولية، وجثمان الصحفية”أبوعاقلة” يكاد يسقط أرضاً، فيما كان عناصر القوات الإسرائيلية يفرقون الحشد المشيع، وقال الهلال الأحمر الفلسطيني إن أكثر من 33 شخصاً، أصيبوا خلال الجنازة، وقد نُقل 6 منهم إلى المستشفى، فيما أوردت الشرطة الإسرائيلية أنها إعتقلت ستة أشخاص.
وألفت: إلى أبرز الإدنات العربية، والعالمية عقب الإعتداءات الإسرائلية على جنازة”أبو عاقلة” فأدانت الخارجية المصرية الإعتداء وقالت؛ نعرب عن رفضنا التام، وإدانتنا للإعتداءات التي تعرضت لها جنازة الإعلامية “شيرين أبوعاقلة”، واضافت ؛ أن الإعتداءات الإسرائيلية غير المقبولة تمثل إنتهاكا لحقوق الشعب الفلسطيني، ولحرمة الموتى، فيما قالت إدارة “جوبايدن” إن الولايات المتحدة منزعجة بشدة من تصرفات الشرطة الإسرائيلية، في أعقاب إشتباك مع المعزين في جنازة الصحفية الفلسطينية.
لافتاً: إلى منصات التواصل العالمية، التي إتنتفضت إحتجاجاً على مشهد الإعتداء على جنازة شيرين أبو عاقلة في هشتاج إستمر حتى ساعات قليل من مساء أول أمس.
ما دفع وزير الخارجية الأمريكي”أنتوني بلينكن” مساء أمس الأحد إلى أنه هاتف عائلة “أبو عاقلة”ودعا لتحقيق ذي صدقية، حول ظروف مقتل الصحفية الفلسطينية “شيرين أبو عاقلة”، وهذا نص ما قالة للصحفيين في برلين أمس أُتيحت لي فرصة تقديم تعازي الصادقة، وإحترامنا العميق للعمل الذي قامت به كصحفية طوال أعوام عدة،
وذكر أنه ناقش ضرورة إجراء تحقيق فوري، وذي صدقية حول ملابسات وفاتها، واصفاً “شيرين أبو عاقلة” بأنها محترمة جداً في العالم أجمع، وأكد على دعم الدبلوماسيين الأمريكيين في القدس لعائلة الصحفية.
كيف تتلاعب الدول العظمى بمبادئ «القانون الدولي»وتدعي أنها مخولة بتفسيره؟
وأؤكد: أن هذه وثيقة تاريخية بالصوت، والصورة، وشهود العيان تدين جيش الإحتلال الاسرائيلي، وتثبت جريمته الشنيعة فى إغتيال، وإعدام الصحفية ”شيرين أبوعاقلة” بشكل متعمد على مدخل مخيم جنين وأي رواية آخري لأي طرف هي جريمة هدفها طمس الحقيقة، والتغطية على جرائم إسرائيل التي لم تتوقف منذ أكثر من 70 عاماً، وقد ظهر أول أمس “الجمعه” هذا الكيان الإسرائيلي أمام العالم بما قام به من إعتداء على المشيعين فى جنازة الصحفية عارياً من الانسانية مكللاً بالعار الأبدي، والوقاحة المتوحشة، وإني أرىّ هذا الكيان الدموي يحفر قبره، ويشق طريقه بقوة نحو الهاوية.
مؤكداً: عندما يخشى كياناً تشييع شهيدة الحقيقة، والوطن لن يكتب له الإستمرار، وعندما يخشى رفع علم فلسطين لا بقاء له على الأرض الفلسطينية، وكما كانت الصحفية “أبو عاقلة” تكشف إجرام المحتل في حياتها، فها هي أثناء تشييع جثمانها تكشف وحشية هذا الكيان من جديد، وأن مخيم “جنين” يؤكد إستمرارية، ونجاعة “القدرة على إحداث تأثير” خيار المواجهة الشاملة، وقدرة الشعب الفلسطيني في المقاومة، والصمود، والتحدي لهذا الكيان الهش، ولجنوده الجبناء.
وختاماً: أن مجلس الأمن الدولي مغلق بفيتو أمريكي، ولا يتوقع منه شيء جديد، فيما يخص جرائم الإحتلال الإسرائيلي المغتصب للأراضي، ويفسر ذلك الجولة الحالية للأمين العام للأمم المتحدة في المنطقة بعد فشل مجلس الأمن في وقف العدوان، مطالباً؛ السلطة الفلسطينية إلى الإعلان رسمياً، وفعلياً عن إلغاء إتفاق”أوسلو” التي وقعت عليها مع الجانب الإسرائيلي في عام 1993، وسحب الإعتراف بالكيان “إسرائيل”، ووقف التعاون الأمني مع العدو، والإلتفاف حول برنامج المقاومة الشاملة لمواجهة الاحتلال، لاننا أمام مرحلة جديدة لا يصلح معها إلا القرارات الحاسمة والإستراتيجية السياسية القوية.
كيف تتلاعب الدول العظمى بمبادئ «القانون الدولي»وتدعي أنها مخولة بتفسيره؟