متابعة _ عبدالرحمن شاهين
في مثل هذا اليوم، السادس عشر من يوليو، تغيّر مصير البشرية كليًا. في صحراء نائية في الولايات المتحدة، تجمع مئات العلماء والجنود الأمريكيين لاختبار سلاح غير مسبوق. ومع الانفجار الأول لقنبلة بلوتونيوم مشع، ارتفعت سحابة نووية إلى ارتفاع 12 كيلومترًا، مُعلنة بداية “العصر النووي”، الذي خلق واقعًا جديدًا تتحكم فيه أسلحة الدمار الشامل في القرارات المصيرية ونظم القوى العالمية.
توثيق اللحظة التاريخية
تستعرض “الشروق” مستندة إلى كتابي “الأمن النووي ووكالة الطاقة الذرية” لبول زاس، و”التاريخ التقني للوس ألاموس في عهد أوبنهايمر” لـ إل. تي. هاتسون، بجانب تقرير “تقييم حصاد تجربة الثالوث النووية” الصادر عن وزارة الطاقة الأمريكية، أبرز الحقائق والمعلومات حول تفجير أول قنبلة ذرية في التاريخ وتأثيراتها التي أسفرت عن إنشاء واقع عالمي جديد.
– اكتشاف الانشطار النووي وسباق التسلح
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، دخلت الدول الكبرى في سباق تسلح مكثف لتحديد الفائز في الحروب المقبلة. في عام 1938، حققت ألمانيا النازية سبقًا باكتشاف الانشطار النووي من قبل العلماء أوتو هان وفريتز ستراسمان، مما أثار مخاوف من قدرة النظام النازي على إنتاج سلاح نووي. ورغم أن الحرب العالمية الثانية أبطأت من هذا المشروع، تحركت الولايات المتحدة بسرعة،
استجابة لمطالب بعض العلماء مثل ألبرت أينشتاين، لبدء برنامج لبناء القنبلة النووية، المعروف لاحقًا بمشروع “مانهاتن”.
– مشروع مانهاتن وظهور السلاح النووي
في أكتوبر 1941، وبقرب دخول الولايات المتحدة الحرب رسميًا، أعطى الرئيس فرانكلين روزفلت الإذن لبدء مشروع “مانهاتن”، بمشاركة أفضل العلماء، ومن بينهم روبرت أوبنهايمر، المعروف بـ”أب القنبلة الذرية”. على مدار ثلاث سنوات، عملت فرق البحث على تطوير مفاعلات اليورانيوم، ثم الانتقال لاستخدام البلوتونيوم، حتى تم الانتهاء من تصميم القنبلة في عام 1945، مع اقتراب نهاية الحرب.
– التجربة التاريخية للقنبلة النووية الأولى
أصرّ أوبنهايمر على إجراء تجربة فعلية للقنبلة بالرغم من قلق الجيش من احتمال فشلها وخسارة تكاليف البلوتونيوم الضخمة. بعد نقاشات طويلة، وافق الجيش وحدد يوم 16 يوليو 1945، بالتزامن مع مؤتمر بوتسدام بين الحلفاء المنتصرين. وتم اختيار منطقة صحراوية في نيو مكسيكو لإجراء التجربة، بحيث تكون بعيدة عن السكان. أُطلق على الاختبار اسم “الثالوث”، المستوحى من قصيدة لجون دون، وفي الخامسة والنصف صباحًا، تم تفجير القنبلة، فتألقت السماء بلون وردي عجيب، وظهرت سحابة المشروم النووية بارتفاع 12 ألف متر، فيما تبخّر البرج المعدني الحامل للقنبلة بالكامل، لتبدأ حقبة جديدة في التاريخ البشري.
– الدمار النووي: من التجربة إلى الكارثة
بعد أقل من شهر على الاختبار، استخدمت الولايات المتحدة فعليًا القنبلة النووية ضد اليابان، حيث تم قصف مدينة هيروشيما بقنبلة يورانيوم، ثم ناغازاكي بقنبلة بلوتونيوم، وهي نفس المادة التي استخدمت في التجربة. أدى الهجومان إلى مقتل عشرات الآلاف وتدمير مناطق واسعة، وعانى الناجون لسنوات من آثار الإشعاع، مما أنهى فصل الحرب العالمية الثانية.
– السلاح النووي والسلام الموهوم
بررت واشنطن استخدام السلاح النووي برغبتها في إنهاء الحرب وتحقيق السلام، لكن النتائج جاءت معاكسة، حيث انطلقت سباق تسلح عالمي جديد. تمكنت المخابرات السوفييتية من سرقة معلومات تصنيع القنبلة، وأجرت أول اختبار نووي، تلتها الصين وكوريا الشمالية، مما أدى إلى تشكيل ما يُعرف بـ”النادي النووي”. بينما استحوذت الدول الكبرى على القنابل النووية، فرضت سيطرتها على الدول غير المالكة، وظل وهم السلام سائدًا تحت تهديد دائم بسلاح قادر على تدمير العالم في لحظة.