وافقت الحكومة اللبنانية على موازنة العام الجاري بعجز بلغت نسبته سبعة عشر في المئة. ومن المقرر أن ترسل الحكومة الموازنة إلى البرلمان في الحادي والعشرين من فبراير الجاري للمصادقة عليها، قبل دخولها حيز التنفيذ.
لا شك في أن الحديث عن إرتفاع السعر الرسمي لصرف الدولار أو تحريره، سيكون له تداعيات إجتماعية ومعيشية كارثية على اللبنانيين، في حال لم يقترن بتحفيزات ضرورية للإقتصاد وإعادة هيكلة لقروض المواطنين بالدولار على الليرة، وسواها من الخطوات. فأي صورة سوداء يُمكن أن تُرتسم للمرحلة المستقبلية إذا ما تمّ الإقدام على تحرير سعر الصرف من دون أي إجراءات إستباقية أو لاحقة؟
فعلياً، كان مطلب تحرير سعر الليرة أمام الدولار من قبل بعض المسؤولين والإقتصاديين، خلال تمتع لبنان بمؤشرات إقتصادية قوية، إذ كان تحريرها حينها، يعني تقليصاً للدين العام، ورفعاً لسعر الليرة أمام الدولار، أو بمعنى آخر تقوية العملة المحلية وزيادة قدرتها الشرائية، كذلك كان مطلباً لتغيير النظام النقدي الذي يعتبره العديد من الإقتصاديين قائماً على معادلة زيادة ثروة الأقلية، وضمنها المصارف، ومن يقف خلفها من السياسيين، على حساب الأكثرية.
لكن في ظل إنحدار المؤشرات المالية، ودخول لبنان في دوامة قاسية من إرتفاع الدين العام وعجز ميزان المدفوعات خصوصاً، لا بد من التحذير من تحرير سعر الصرف، إذ سيؤسس لإنهيار إقتصادي وإجتماعي شامل، في ظل عدم تمكن أصحاب العمل من زيادة الرواتب بإعتبار أن تكلفة الإنتاج ستتضاعف، من دون إستطاعة الدولة أن تقوم بالدعم. بل على العكس، يُحكى اليوم عن رفع الدعم عن السلع الأساسية والتي تضم المحروقات، والدواء والقمح.
واقع الحال، في حال تحرير سعر الصرف راهناً، فإنّ قيمة الأجور ستنخفض، وستحدث مشكلة إجتماعية، وستتراجع القدرة الشرائية، وترتفع كلفة الإستيراد كما سبقت الإشارة، وسنواجه أزمة فعلية مع إزدياد نسب التضخم.
وإذا كان المواطن قد إقترض مؤخراً بالدولار، كما هي حال غالبية اللبنانيين، ثم تم تحرير سعر الصرف، فيصبح حينها مَن إقترض 500 دولار وكان يسددها على أساس سعر الصرف 1500 ليرة بقيمة 100 دولار شهريا أي 300 الف ليرة (سابقاً)، غير قادر على تسديد القسط، بإعتبار أن الدولار سيُحلق في السوق المالية إرتفاعاً وفق أهواء المتحكمين فيها.
فإذا ما تم تحرير سعر الصرف لن يعود بإستطاعة أي كان، تسديد قرضه في حال كان بالدولار. وعليه، يُصبح عندها اللبناني غير قادر على متابعة العيش، ولا سيما وأن الدولة غير قادرة على زيادة الرواتب، وهنا الخطر الأعظم الذي يُحدق بالمواطنين.
علماً، أن أساس الأزمة الإقتصادية في لبنان سياسية، إنسحبت على الوضع المعيشي بسبب تراكم الملفات المتعلقة بالإصلاحات والبنى التحتية التي لم تُنجز، فضلاً عن تفشي الفساد من دون أفق للحد منه. ولن ندخل في شروط صندوق النقد الدولي في حال وافق الأخير على إقراض لبنان، لأنها ستكون قاسية بغية النهوض بالإقتصاد اللبناني الذي تدهور إلى الحضيض.
لا شك في أن تخفيض قيمة الليرة سيخلق مشاكل إجتماعية وإقتصادية جمّة في هذه المرحلة على الصعد كافة، وخصوصاً أن معظم المؤسسات التجارية التي ترزح تحت أعباء ثقيلة قد لجأت إلى إقفال مؤسساتها وصرف موظفيها، ومن بقي منها لجأ إلى إعطاء الموظفين نصف راتب حتى إشعار آخر.
في هذا السياق، وعلى صعيد أصحاب العمل، كلا، ليس لديهم قدرة على الإستمرارية في حال تحرير سعر صرف الليرة أمام الدولار، فهم بالكاد يستطيعون الإستمرارية في ظل الأزمة الراهنة. فماذا ينتظر المسؤولون المعنيون من لبنان بعد اليوم: الإفلاس التام؟ الجوع؟
في المحصلة، لا يُمكن أن نصمد (أصحاب العمل والموظفون والعمال) في وجه هذه الأزمة الكارثية بمفردنا، في حال حصل تحرير العملة أو لم يحصل، كما في حال بقي الدعم على السلع الأساسية أو لم يبق، بل نحتاج إلى دعم خارجي، بمعنى أننا نطالب المجتمع الدولي وكل البلدان المانحة، التي سبق أن ساعدت القطاع العام اللبناني، أن تساعد القطاع الخاص اللبناني الذي إقترب إلى خطر الموت الشديد.
وفي ظل هذه الأزمة الراهنة، وقد يزيد عليها اليوم تحرير سعر الصرف ورفع الدعم، نطالب هذه الدول، أن تُخصص للبنان صندوق دعم، يستطيع أن يدعم كل إنتاجنا والتصدير، وإستيراد كل المواد الأولية من أجل أن نقوم بالإنتاج، ولا سيما المحروقات (البنزين والمازوت) والدواء، والقمح. هذا الصندوق يستطيع أن يدعم القطاع الخاص اللبناني، ويستطيع أن يكون صلة وصل مع العالم في ظل غياب أي إرتباط بيننا وبين العالم في الوقت الراهن، جراءالقطاع المصرفي اللبناني الذي يقيد سحوباتنا.