كتب: معراج احمد معراج الندوي
كان الجو جميلاَ، والسماء صافيةَ، أراد ملك من الملوك أن يخرج إلى الحقول والمزارع الخضراء، ليتمتع نفسه بتلك المناظر الجميلة، ويشمَ الهواء النقي، خرج الملك من قصره وسار نحو المزارع، ولم يقطع شوطا من الطريق حتى تعب من السير، فجلس تحت الشجرة ليستريح، أخذ من جيبه كتابا، وبدأ يطالعه حتى غلبه النوم، فنام الملك وهو جالس تحت الشجرة.
استيقظ الملك عند العصر، وأخذ عصاه ليرجع إلى قصره، وبعد أن سار ميلا أو أكثر أخذ يبحث عن الكتاب في جيبيه فلم يجده، وهنا تذكر أنه نسيه عند الشجرة التي كان نائما تحتها من شدة التعب. وكان الملك في غاية التعب، لم يرد أن يرجع للبحث بنفسه عن الكتاب، ولم يرد أن يضيع الكتاب منه، لأن الكتاب كان محببا له، وتمنى أن يجد أحدا يرسله ليحضر له الكتاب.
وفي الوقت ذاته رأى الملك غلاماَ صغيرا، يرعى الغنم في حقل من الحقول، اقترب منه وأظهر له قطعةَ ذهبيةَ الملك وقال له: “هل تحب يا بني أن تملك على هذه القطعة الذهبية؟.
أجاب الغلام: “ولم لا يا سيدي.. إني أحب ذلك..” ولكن كيف يستطيع راع فقير مثلي أن يحصل على نقود من الذهب.. أليس هذا من المستحيل…؟
قال الملك: “إني سأعطيك هذه القطعة الذهبية إذا جريت إلى تلك الشجرة البعيدة الواقعة على الجهة اليمنى من هذه، وأحضرت لي الكتاب الذي تركته تحتها. هل تفعل ذلك….؟
رفض الغلام ولم يذهب خوفا على غنمه، فساله الملكُ: ” لماذا تتردد الآن في الذهاب..؟
قال الغلام: “إني أحب أن أذهب يا سيدي، ولكني أخاأ ان تتيه الغنم، فيلومني صاحبها..”
قال الملك:”سأقوم لك بحراسة الغنم حتى ترجع..”.
سلم الغلام العصاء للملك وسار قليلا في طريقه ثم رجع، فسأله الملك، “ماذا حدث بك يا بني، لماذا رجعت….؟
أجاب الغلام:”أريد أن أراك وأنت تستعمل العصاء مع الغنم”.
فبين له الملك كيف يستعملها إذا حاولت الغنم الهرب، فأطمأن الغلام واقتنع بأن الملك يستطيع أن يستعمل العصاء، وذهب الغلام ليحضر الكتاب.
جلس الملك على حجر، وبدأ يضحك على نفسه وهو يرعى الغنم، في حين اعتدت الغنم على حقل الجار وأتلفته، وبعد بضع دقائق رجع الغلام والكتاب في يده، ولما لم ير الغنم في مكانها قال: “هذا ما حسبته.. لقد وجدت كتابك، ولكن أتلفت الغنم حقل جارنا، ولا أعرف ماذا أقول له”.
قال له الملك: ” إني آسف جدا يا بني..”
فقال الغلام: “اجلس هنا على الحجر حتى أسوق الغنم من حقل الجار” ففعل الملك كما أمر، وجرى الغلام إلى الأمام ليساعده وبعد كثير من النداء رجعت الغنك إلى مكانها الأول.
قال الملك للغلام: “عفوا يا بني.. فإني لا احسن رعى الغنم، ولكني ملك أحسن رعى أمتي وبلادي”
ضحك الغلام وقال: “ممكن أن تكون ملكا وتحسن رعى الشعب والبلاد، ولكن لم تحسن في رعى الغنم.. إذا أردت أن تجرب عملا من الأعمال في يوم من الأيام، فلا تحاول أن تكون راعى الغنم، والواجب أن يتقن كل إنسان عمله، ولكل عمل رجال…”