لماذا كرهت الأنثى أنوثتها ورغبت في أن تكون رجلا؟

بقلمي: جمال القاضي

ظلت الأنثى لسنين طويلة تحترم الفوارق التي بينها وبين الرجل ، كونها تحمل جسدا مختلفا عنه في بعض الأجزاء التشريحية ، ولم تطمح يوما بأن تتحول إلى ذكر ، مستخدمة قواها الضعيفة في إنجاز بعض الأعمال المنزلية وغيرها في المجتمع دون أن تسخر من كونها الذاتي وتركيبها الضعيف جسديا ، فكان تفكيرها في محيط هذا الضعف ، راضية على ماخلقها الله بهذه الكونية ، لكن مع مرور الزمان ، إختلفت وجهة نظرها عن الماضي ، فراحت تتمرد على أنوثتها ، ترى أنها لم تلقى نفس الإهتمام الذي يلقاه أحد أفراد أسرتها من الأشقاء الذكور ، ساخرة من والديها في طريقتهم التي تراها شبه متعمدة منهم لهؤلاء الإخوة الذكور ، فكرهت نفسها وتمردت على طبيعتها الجسدية ، وتمنت أن تصبح ذكرا .

هذه المعتقدات لم تكن من بعيد ، لكن هناك أسباب كثيرة ، جعلت تفكيرها هكذا ، وتصورها عن نفسها بأنها مجرد الأنثى التي ليس لها قيمة في نظر أسرتها سوى خدمة الجميع ، ( وربما كانت صادقة التصور )، نعم فهي كذلك صادقة ومحقة ، لنذهب إلى الوراء قليلا ونتساءل ، من أين أتى هذا التصور منها تجاه شقيقها الذكر وغيره من الذكور ؟ ولماذا ترى في نظرها أن الذكر مميزا في وجدان والديه وتعاملهم معه؟

وللإجابة عن هذه الأسئلة علينا أن نحلل أولا طريقتنا الخاطئة في التعامل مع أفراد الأسرة من الجنسين ، فكل من الأب والأم لهما دور أصيل فيما رسخ في عقل هذه الأنثى الضعيفة ، والذي كان من البداية ، منذ مرحلة الطفولة لكل من الذكر والأنثى من ناحية ، ومن ناحية آخرى عن الفكر الخاطيء والفهم الضعيف لدور الأنثى وتهميش حقها من قبل الأبوين في المساواة في الرعاية والأهتمام ،

ففي مرحلة الطفولة ، نجد التمييز الصارخ والجلي أمام أعين الجميع من أفراد الأسرة ، حين تكون التفرقة في أسلوب التعامل بين كل من الإبنة والابن ، فعلى سبيل المثال حين تفيق الأسرة من نومها ، يبدأ دور الإبنة وهو مايشبه فيه دور والدتها في أن تقوم بجميع الأعمال للروتين اليومي المنزلي ، بداية من ترتيب فرش النوم ، وإعداد الطعام وغيرها من الروتين اليومي ، دون طلب من الابن بأدنى مشاركة في أي من هذه الأعمال المنزلية ، بفكر متخلف وجاهلي ، رسخ وتوارث ممن قبلهم وهو أن دور الذكر فقط القيام بالأعمال الشاقة الخارجية والتي تتطلب مجهودا وقوى كبيرة لاتستطيع أن تقوم بها الأنثى ، حتى وإن قام هذا الذكر بالمحاولة في المساعدة لشقيقته يقوم أحد أبويه بمنعه قائلين له لايصح ذلك وأنت رجل وهذا من عمل السيدات وواجبهم، هذا المنع ساعد ايضا على توارث الفكر الذي لايتصف أبدا بالصحيح أو الثواب ،

وعلى الجانب الآخر فإن هذه الأنثى ترصد وتراقب أفعالهم وتسجل تلك الأفعال من الأوامر والنواهي التي تراها كل يوم من والديها ، لتصبح فيما بعد عادات ورثتها فكرا على أن دورها هو فقط العمل بأمور الطبخ وغيرها من الأعمال المنزلية وتعلمها لذكورها بعد زواجها والإنجاب ، رغم أنها لم تكن راضية أبدا عما يحدث من تلك المعاملة من التفرقة ، فتذهب كارهة تركيبها الجسدي ومتمنية أن تتحول إلى رجلا .

ولكن لماذا ترى الأنثى الذكر مميزا أمامها في أعين أبويها ؟

هذا التميز ربما يسود ويسيطر على عقل الجميع ، ظنا بأن من له الحق في توارث لقب العائلة هو الذكر وفقط والأنثى ليس من حقها أن تحمل هذا اللقلب أو تتوارثه ، وأنها خلقت لتتزوج وتنجب وتخدم نسلها وبعد ذلك ينتهي دورها وينسى ماتحمله من إنتساب لأبيها ، فكان أيضا كرهها لتركيبها الجسدي .

لم ينتهي الأمر بفقدان الأمل في عودة التفكير والرضى عن نفسها فهناك طرقا علينا أن نسلكها من البداية في التربية .

نعلم أن دور الرجل هو إنجاز مايطلب منه من أعمال تطلب القوة والمجهود البدني ، لكن علينا ايضا أن نعلمه كيفية المشاركة في كل الأعمال المنزلية من ترتيب وإعداد الطعام وغيرها من الأمور المنزلية التى نراها عيبا في نظرنا ولا تكون من تلك التي يقوم به الذكر ، هذه التربية تجعل شقيقته الأنثى تعلم بأن كل هذه الأعمال الكل فيها سواء ولا تفريق فيما بينهما ، فترضى عن نفسها حين ترى هذه المشاركة من شقيقها ، ولو ذهبنا إلى كيف كان رسولنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) في طريقة تعامله مع زوجاته لوجدنا أن كل الأعمال المنزلية لاتقتصر على النساء وحدها أو الزوجة وفقط ، فهو ( صلى الله عليه وسلم ) أول من رفع شعار ( اخدم نفسك بنفسك ) فعن تعامله مع بناته فكان إذا دخلت عليه ابنته فاطمة
قام إليها، فأخَذَ بيدِها وقبَّلَها وأَجْلَسَها في مجلسِه، وكان إذا دخَلَ عليها قامت إليه، فأَخَذَتْ بيدِه فقَبَّلَتْه وأَجَلَسَتْه في مجلسِها) فمن منا يفعل ذلك اليوم ؟

وعن تعامله مع زوجاته أمهات المؤمنين فقد كان النبيّ يهتمّ بِخدمة نفسه، إلى جانب مساعدتهنّ؛ فقد قالت عنه زوجته عائشة: (يخصِفُ نعلَهُ، ويعملُ ما يعملُ الرَّجلُ في بيتِهِ)،وكان يصنع طعامه بنفسه، وينجز أيّ شيء يعرض له من عمل البيت. فمن منا يفعل ذلك مع زوجاته لتتعلم وتعلم نسلها كيف يكون التعامل الصحيح بين الرجل والأنثى لتصبح راضية فيما بعد عن نفسها وجسدها وإختلاف تركيبه عن جسد الرجل ؟

وأخيرا

فقد همشنا كثيرا دور الأنثى فخلد في فكرها بأنها مخلوقا ليس له قيمة وليس لها دورا سوى خدمة الرجال ، فتمردت على نفسها وكرهت جسدها ، متمنية بأن تغمض عينيها لتفيق في الصباح على تركيب مختلف عما هو عليه هذا التركيب

الضعيف للجسد وتصبح رجلا ..

لماذا كرهت الأنثى أنوثتها ورغبت في أن تكون رجلا؟

لماذا كرهت الأنثى أنوثتها ورغبت في أن تكون رجلا؟

Loading