د.مروة الليثي #دليلك للطمأنينة
في كل علاقة نعتقد أننا نرى الشخص كما هو… لكن الحقيقة أن هناك عقولًا أخرى لا تُرى بسهولة، عقول تتحرك بدوافع خفية، وتعيد تشكيل العالم حولها لتناسب صورتها الذاتية فقط. من بين هذه العقول، يظل العقل النرجسي الأكثر تعقيدًا وتأثيرًا على من يقترب منه.
النرجسي لا يرى الناس كما نراهم نحن. هو لا يراهم كأفراد لهم مشاعر واحتياجات، بل كـ مرايا تعكس صورته. كل علاقة بالنسبة له ليست مساحة للتواصل، بل مسرحًا تُكرَّس فيه الإضاءة كلها على “البطل الواحد”: نفسه.
من أين تأتي الصورة المتضخمة؟
وراء الثقة الزائفة، يقف خوف عميق من الانكشاف.
النرجسي يعيش داخل هشاشة مؤلمة، يخشاها أكثر من أي شيء. لذلك يبني حول نفسه طبقة سميكة من الغرور، التفوق، والتقليل من الآخرين، حتى لا يقترب أحد من نقطة ضعفه الحقيقية.
هذه الهشاشة هي المحرّك الأساسي لسلوكه:
يبالغ في إنجازاته.
يرفض النقد مهما كان بسيطًا.
يهرب من الاعتراف بالخطأ لأنه يهدد صورته أمام نفسه.
يبحث باستمرار عن معجبين، متابعين، أو أي شخص يمدّه بالتصفيق.
النرجسي لا يحتاج حبًّا… هو يحتاج وقودًا نفسيًا يشعره أنه ذو قيمة — حتى لو كان ذلك على حساب من يحبونه.
كيف يفكر في العلاقات؟
العلاقة بالنسبة للشخص النرجسي ليست مشاركة، بل سيطرة.
هو يدخل العلاقة وفي ذهنه هدف واضح: “أريدك، لكن بشروطي.”
لذلك نجد:
تعلق شديد في البداية
اهتمام مبالغ فيه
وعود وردية
واحتواء ساحر
ليس لأنها مشاعر حقيقية، بل لأنها استراتيجية لكسبك.
وبعدها يبدأ الوجه الآخر:
نقد دائم
تقليل من شأنك
تشكيك في قدراتك
تحميلك مسؤولية كل مشكلة
انسحاب عاطفي كامل
كل ذلك يحدث عندما يشعر النرجسي أنه لم يعد يحصل على “الغذاء النفسي” الذي جاء من أجله.
هل يدرك أنه يؤذي الآخرين؟
هذه من أكثر الأسئلة التي تُطرح.
والحقيقة أن النرجسي يدرك السلوك… لكنه لا يدرك الألم.
يرى تصرّفاته من منظور واحد فقط:
“أنا فعلت هذا لأنني بحاجة إليه… إذن فهو مبرَّر.”
هو لا يضع نفسه مكان الآخرين، ولا يملك القدرة الطبيعية على التعاطف مثل الأشخاص العاديين. ولهذا:
يبرر إيذاءك
يبرر كذبه
يبرر تقلبه
يبرر هدوءه المفاجئ
يبرر غيابه الطويل
طالما أنه لا يشعر بما تشعر به، فهو لا يرى أن هناك خطأ بالفعل.
داخل العقل النرجسي… مساحة خاوية
ورغم قوته الظاهرة، يعيش النرجسي صراعًا صامتًا:
خوف من الهجر
إحساس دائم بالنقص
هروب من مواجهة نفسه
قلق من فقدان السيطرة
فراغ عاطفي مزمن
لذلك ستجدينه ينتقل من علاقة لأخرى، ومن إعجاب لآخر، بحثًا عن شيء واحد:
“من يعيد ملء الفراغ؟”
ولكن الحقيقة أن هذا الفراغ لا يُملأ من الآخرين… بل من الداخل فقط، وهو ما يرفض النرجسي مواجهته.
الخلاصة:
عقل الشخص النرجسي ليس عقلًا شريرًا كما يظن البعض… لكنه عقل جريح، خائف، يحاول الاختباء خلف أقنعة القوة. المشكلة ليست في مشاعره… بل في الطريقة التي يتعامل بها مع العالم، والتي غالبًا ما تترك آثارًا مؤلمة في قلب كل من يقترب منه بصدق.
فهم النرجسية خطوة مهمة لحماية نفسك، ووضع حدود واضحة، ومعرفة أن بعض الأشخاص لا يمكن تغييرهم… لكن يمكن التعامل معهم بوعي.
لو
![]()
